وعنه : قال أبو بصير : أخبرني كيف كان خروج آدم عليهالسلام من الجنّة؟
فقال الصادق عليهالسلام : «لمّا تزوّج آدم عليهالسلام بحوّاء أوحى الله تعالى إليه : يا آدم ، أن اذكر نعمتي عليك ، فإنّي جعلتك بديع فطرتي ، وسوّيتك بشرا على مشيئتي ، ونفخت فيك من روحي ، وأسجدت لك ملائكتي ، وحملتك على أكتافهم ، وجعلتك خطيبهم ، وأطلقت لسانك بجميع اللغات ، وجعلت ذلك كلّه شرفا لك وفخرا ، وهذا إبليس اللّعين قد أبلسته ولعنته حين أبى أن يسجد لك وقد خلقتك كرامة لأمتي ، وخلقت أمتي نعمة لك ، وما نعمة أكرم من زوجة صالحة ، تسرّك إذا نظرت إليها ، وقد بنيت لكما دار الحيوان من قبل أن أخلقكما بألف عام ، على أن تدخلاها بعهدي وأمانتي.
وكان الله تعالى عرض هذه الأمانة على السماوات والأرضين ، وعلى الملائكة جميعا ، وهي أن تكافئوا على الإحسان ، وتعدلوا عن الإساءة. فأبوا عن قبولها ، فعرضها على آدم عليهالسلام ، فتقبّلها ، فتعجّبت الملائكة من جرأة آدم عليهالسلام في قبول الأمانة ، يقول الله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(١) وما كان بين أن قبل الأمانة آدم وبين أن عصى ربّه إلا كان بين الظهر والعصر ، ثم مثل الله تعالى لآدم عليهالسلام ولحوّاء ، اللعين إبليس ، حتى نظر إلى سماجته (٢) ، فقيل له : (هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى)(٣) ثم ناداه الربّ : إنّ من عهدي إليكما أن تدخلا الجنّة ، وتأكلا منها رغدا حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ، فقبلا هذا
__________________
(١) الأحزاب : ٧٢
(٢) سمج الشيء : قبح ، يسمج سماجة ، إذا لم يكن فيه ملاحة. «لسان العرب ـ سمج ـ ج ٢ ، ص ٣٠٠».
(٣) طه : ١١٧.