إليّ كيف آكل منها؟ هذا والحيّة واقفة تسمع ما يقول إبليس (لعنه الله) لحوّاء ، فالتفت حوّاء للحيّة ، وقالت : أنت معي منذ أدخلني الله الجنّة ، ولم تخبريني بهذا الكلام؟! وسكتت الحيّة ، ولم تدر ما يقول إبليس اللعين في جواب حوّاء ، ورغبت عن الكلام ، وما كان من أمرها الذي قد ضمن لها إبليس أن يعلّمها الثلاث كلمات.
فأقبلت حوّاء إلى آدم عليهالسلام ، كانت مسرورة بقول الحيّة لها ، ومقالة إبليس تحت الشجرة ، وأخبرته بخبر الحيّة والشخص وقد حلف لهما نصحا ، وذلك قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي)(١) وقرب القدر المقدور والقضاء المبرم ، وخروجهم من الجنّة ، وهو الأمر المحتوم ، فركنا جميعا إلى قول إبليس اللعين وقسمه فتقدّمت حوّاء إلى تلك الشجرة ، ولها أغصان لا تحصى ، وعلى الأغصان سنابل ، كلّ حبّة منها مثل القلّة ، ولها رائحة كالمسك الأذفر ، أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فأخذت سبع سنابل من سبعة أغصان ، فقال اللعين : كلي منها يا حواء ، يا زينة الجنّة. فأكلت واحدة ، وادّخرت لها واحدة ، وجاءت بخمس منها إلى آدم عليهالسلام ، ولم يكن لآدم عليهالسلام في ذلك أمر ولا نهي ، بل كان ذلك في سابق علم الله تعالى حين افتخرت السّماء على الأرض ، وشكت الأرض إلى ربّها ، وقال : يا أرض اسكني. وقال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٢). فتناول آدم عليهالسلام من السنابل سنبلة واحدة من يدها ، وقد نسي العهد المأخوذ عليه ، فذلك قوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٣) ، أي جزما ـ قال ـ فذاق آدم عليهالسلام من الشجرة كما ذاقت حواء ، فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ
__________________
(١) الأعراف : ٢١.
(٢) البقرة : ٣٠.
(٣) طه : ١١٥.