يا أبا طالب! ان ادركت أيّامه فاعلم أنّي كنت من أبصر الناس وأعلم الناس به ، فإن استطعت أن تتبعه فافعل ، وانصره بلسانك ويدك ومالك ، فانّه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي.
يا أبا طالب! ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ، ولا امّه على حال امّه ، فاحفظ الوحدة.
هل قبلت وصيتي؟ فقال : نعم ، قد قبلت ، والله عليّ بذلك شهيد.
فقال عبد المطّلب : فمدّ يدك إليّ. فضرب يده على يده.
ثمّ قال عبد المطّلب : الآن خفّف عليّ الموت! ثمّ لم يزل يقبّله ويقول : أشهد انّي لم اقبّل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك ، ولا أحسن وجها منك. ثمّ مات. ورسول الله ابن ثماني سنين (١) وبه قال الكليني في الكافي (٢).
فضمّه أبو طالب الى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار ، وكان ينام معه حتّى بلغ ، لا يأتمن عليه أحدا (٣).
__________________
(١) روى المجلسي عن الكازروني في المنتقى قال : مات عبد المطّلب وهو ابن ثنتين وثمانى سنة. وقالت أمّ أيمن : رأيت رسول الله يبكي خلف سرير عبد المطّلب. وسئل رسول الله : أتذكر موت عبد المطّلب؟ فقال : نعم أنا يومئذ ابن ثماني سنين (البحار ١٥ : ١٦٢ عن المنتقى : الفصل الثالث) ورواه عن (العدد) وأضاف : حتّى دفن بالحجون (البحار ١٥ : ١٥٦).
(٢) اصول الكافي ١ : ٤٣٩.
(٣) ثمّ روى الصدوق بسنده الى ابن اسحاق عن العباس بن عبد الله ، عن ابيه عبد الله بن معبد ، عن ابيه معبد بن العباس بن عبد المطّلب ـ أو بعض اهله ـ قال : كان يوضع لعبد المطّلب جدّ رسول الله فراش في ظل الكعبة ، فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه اجلالا له ، وكان رسول الله يأتي حتّى يجلس عليه ، فيذهب أعمامه يؤخرونه ، فيقول جدّه عبد المطّلب : دعوا ابني فيمسح ظهره ويقول : ان لابني هذا لشأنا.