فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكانا وأطيبها؟ قالت : وانّ ذلك كذلك؟ قال : فإن الله أعزّ وأكرم من أن يسلب عبدا ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزوجل ثمّ يعذّبه (١).
فهذا هو الصحيح الراجح ولا أتردد في عدم وحدة الخبرين ولا أحتمل التعدد بل أحتمل انّه وقع سهو من أحد الرواة للخبر في الطريق السابق فأخطأ اسم الطاهر والتبس عليه بالقاسم. وأمّا خبر (الروض ...) عن الزبير ، فهي مرسلة لا أظنها الّا مسروقة عن خبر عمرو بن شمر عن جابر بالطريق الّذي وقع فيه الخطأ والالتباس. وعلیه فالذي كانت تبكيه خديجة ويدرٌ عليه درّها هو عبد الله الطيب الطاهر وليس القاسم ، ذلك لما يأتي في نزول سورة الكوثر عن الحسن والباقر والصادق عليه السلام أن القاسم كان قد درج يمشي بل كان يركب الابل ، فلعلّه كان موتهما كليهما بعد البعثة ويبدو أنّ عبدالله ولد بعد القاسم بعد البعثة ومات قبله ثمّ مات القاسم (٢).
__________________
(١) البحار ١٦ : ١٦ عن فروع الكافي ١ : ٦٠.
(٢) خلافا (لهيكل) في كتابه اذ قال : أمّا القاسم وعبد الله فلم يعرف عنهما الّا أنّهما ماتا طفلين في الجاهلية لم يتركا أثرا يبقى أو يذكر ؛ لكنّهما من غير شك قد ترك موتهما في نفس أبويهما ما يتركه موت الابن من أثر عميق ، وترك موتهما من غير شكّ في نفس خديجة ما جرح امومتها جرحين داميين وهي لا ريب (!) وقد اتجهت عند موت كلّ واحد منهما في الجاهلية الى آلهتها الأصنام تسألها : ما بالها لم تشملها برحمتها وبرّها. (حياة محمّد : ١٢٨) ولا ريب في بطلان ظنونه ، فلا مستند لزعمه هذا ، وليس الّا حدسا ناشئا من قياس خديجة بسائر نساء قريش. ونحن اذ تبيّنا أن دوافع زواجها برسول الله إنّما كانت دوافع معنوية ، وذلك لأنّها كانت قد سمعت من ابن عمها ورقة بن نوفل النصرانيّ وغلامها ميسرة عن الراهب النصرانيّ أن محمّدا نبيّ آخر الزمان فتزوجت به لذلك ، وأضفنا الى ذلك كراهته للاصنام حتّى انّه حينما أقسم عليه بحيرا الراهب بالأوثان قال : إنّها أبغض خلق الله إليه .. فلا يمكنا مع ذلك أن نقول : إنها كانت تلجأ في موت أولادها الى الأصنام وهنّ أبغض خلق الله الى حبيبها محمّد صلىاللهعليهوآله.