ثمّ الكتاب خلو عن تجهيز المسلمين من الحبشة إليه الى المدينة ، كما هو خلو عن خطبته لأمّ حبيبة ابنة أبي سفيان بواسطة النجاشي ، بينما من المستبعد جدّا أن يكون كلا الأمرين متأخرين عن عهد هذه الرسالة.
ولعلّ الجواب الصحيح هو ما رواه الطبري عن الواقدي قال : أرسل رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ الى النجاشي ليزوّجه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، ويبعث بها إليه مع من عنده من المسلمين (١) من دون ذكر كتاب في ذلك.
ولم يذكر الواقدي ولا الطبري اسم الرسول بهذه الرسالة الشفوية ولا ألفاظها ، ولكن ابن سعد ذكر أن الرسول هو عمرو بن اميّة نفسه وذكر شطرا من رسالته الشفوية الى النجاشي ولكن من دون ذكر خطبة النبيّ لأمّ حبيبة ولا طلب تجهيز المسلمين إليه الى المدينة ، قال :
قال عمرو بن اميّة : يا أصحمة! (كذا) انّ عليّ القول وعليك الاستماع! إنّك كأنّك في الرقة علينا منّا ، وكأنّا في الثقة بك منك ، لأنّا لم نظنّ بك خيرا قطّ الّا نلناه ولم نحفظك على شرّ قط الّا أمنّاه ، وقد أخذنا الحجة عليك من قبل آدم ، والانجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور [فأسلم] وفي ذلك موقع الخير واصابة الفضل ، وإلّا فأنت في هذا النبيّ الاميّ كاليهود في عيسى بن مريم ، وقد فرّق رسله الى الناس ، فرجاك لمّا لم يرجهم له ، وأمنك على ما خافهم عليه ، لخير سالف وأجر ينتظر.
فقال النجاشي : أشهد بالله أنّه النبيّ الّذي ينتظره أهل الكتاب ، وأنّ بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل ، وانّه ليس الخبر كالعيان ، ولكن أعواني من الحبشة قليل ، فأنظرني حتّى اكثر الأعوان وأليّن القلوب ، ولو استطيع أن آتيه لأتيته (٢).
__________________
(١) الطبري ٢ : ٦٥٣.
(٢) الطبقات ١ : ٢٥٩ وعنه في سيرة الحلبي ٣ : ٢٧٩ وزيني دحلان بهامش سيرة الحلبي ٣ : ٦٧.