روى السيوطي في «الدر المنثور» مفصّله عن السدي قال : اجتمعت قريش فقالوا : انّ محمّدا رجل حلو اللسان اذا كلّمه الرجل ذهب بعقله ، فانظروا اناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم فابعثوهم في كل طريق من طرق مكّة ، على رأس كل ليلة أو ليلتين (كذا) فمن جاء يريده فردّوه عنه.
فخرج ناس منهم في كلّ طريق ، فكان اذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمّد فينزل بهم ، قالوا له : أنا فلان بن فلان فيعرفه بنسبه ويقول : أنا اخبرك بمحمّد فلا يريد أن تعني إليه ، هو رجل كذّاب لم يتبعه على أمره الّا السّفهاء والعبيد ومن لا خير فيه ، وأمّا شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له. فيرجع بعضهم ، وذلك قوله سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
واذا كان الوافد ممّن عزم الله له على الرشاد فقالوا له مثل ذلك في محمّد قال : بئس الوافد أنا لقومي ان كنت جئت حتّى بلغت ، الّا مسيرة ليلة ، رجعت قبل أن القى هذا الرجل وأنظر ما يقول وآتي قومي ببيان أمره. فيدخل مكّة فيلقى المؤمنين فيسألهم : ما ذا يقول محمّد؟ يقولون : (خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ)(١).
وخبر السدي هذا لا يبعد أن يعدّ تفصيلا لمختصر خبر الكلبي السابق قبله ، ولكن الكلبي قال «في عقاب مكّة أيام الحج» والسدي : «في كل طريق من طرق مكّة على رأس كلّ ليلة او ليلتين فاذا اقبل الرجل وافدا لقومه» ثم لا يذكر الحج والاعتبار يساعد على الاوّل لا الثاني. والثاني لا ينصّ على عنوان «المقتسمين» ولا على عددهم «الستة عشر رجلا» كما هو في الكلبي. هذا وقد مرّ خبر المقتسمين مع المستهزئين الستة الّذين كفى الله رسوله شرّهم بهلاكهم في يوم واحد باشارة جبرئيل إليهم ودعاء الرسول عليهم ، فهل يعني الكلبي أن المقتسمين كانوا
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١١٦.