مستمرين على عملهم ذلك بعد هلاك المستهزئين ، من لدن نزول سورة الحجر الرابعة والخمسين حتّى بعد نزول سورة النحل وهي السبعون؟ أم يعني أنّ الآية نزلت تحكي شأنهم القديم غير المستمر؟ أو أنّه أمر حاضر متكرر؟ والظاهر الأخير.
وقد يبدو للنظر : أن تكون هذه الفترة بين نزولي سورتي الحجر الرابعة والخمسين والنحل السبعين ، هي فترة حصار الرسول وبني هاشم في شعب أبي طالب بالحجون ، وهي الفترة الفاصلة بين المقتسمين الأوائل وبين تجديد عملهم مرة اخرى حين نزول سورة النحل.
ويدفعه : أنّ موسم الحج في الأشهر الحرم كان مستثنى من حكم الحصار ، ولذلك كان الرسول يخرج من الحصار فيه بشيرا ونذيرا ، وقد ورد الخبر بالنصّ على مزاولة المشركين لعملهم ذلك في الصدّ عنه صلىاللهعليهوآله في أيام الموسم أيام الحصار في الشعب ، فلا فترة في البين.
وحصر المشركين للرسول وبني هاشم مدة ثلاث سنين أو نحوها من جملة الحوادث المهمّة في تأريخ الإسلام بعد البعثة وقبل الهجرة ، وهي : إنذار يوم الدار ، والاسراء والمعراج ، والهجرة الى الحبشة ، والهجرة الى الطائف ، ثمّ الهجرة الى المدينة. وقد وردت الاشارة في آيات القرآن الكريم الى الانذار والاسراء والمعراج بالاجمال في سورتي الاسراء والنجم ، وكذلك الهجرة الأخيرة الى المدينة ، أمّا حادث الحصار والهجرة الى الحبشة والهجرة الى الطائف فلا نجد في آيات القرآن الكريم إشارة إليها حسب التفسير المشهور.
ولتبيّن مدى صحة دعوى المرحلة السرّية مع نزول القرآن فيها ، استعرضت ما نزل من القرآن حتّى سورة الحجر الّتي فيها (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) وبعد ذلك اردت الدخول في سرد الحوادث ، ولكن حيث لاحظت الخلاف في ترتيبها وتواريخها رجعت الى مواكبة السور المكية حسب ترتيب النزول.