وهنا في سورة النحل في الآية الحادية والأربعين نقف على ذكر الهجرة في قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١).
وهي أوّل آية تذكر الهجرة ، وهي في عداد آيات سورة النحل المكية ، وهي السورة السبعون ، وبعدها ستّ عشرة سورة نزلت في مكّة قبل الهجرة ، فهل المعنيّ بها الهجرة الاولى الى الحبشة؟ أم الثانية الى المدينة؟
نقل الطبرسي في «مجمع البيان» عن الحسن وقتادة : أنّ قوله (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) الى آخر السورة مدنية (٢) وكذلك نقل السيوطي في «الاتقان» (٣) ثمّ ذكر الطبرسي سائر الأقوال بسائر الاستثناءات في الآيات ، ولم يتظافر النقل باستثناء قتادة ، بل روى السيوطي في «الدر المنثور» عن قتادة نفسه أيضا أنها الهجرة الى الحبشة (٤).
وسنذكر أن هذه السورة هي آخر سورة نزلت في شعب أبي طالب ، ونذكر بعد ذلك أن بيعة العقبة الاولى أيضا كذلك كانت في آخر موسم عمرة قبل الخروج من الشعب ، وأنّ النبيّ أذن لأصحابه بعد ذلك بالهجرة الى المدينة تدريجيّا. فلو كانت الآية العاشرة من سورة الزمر بقوله سبحانه فيها (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) مبدأ إذن النبيّ بالهجرة الى الحبشة ، فمن المحتمل أن تكون هذه الآية مبدأ إذن الرسول هذه المرّة بالهجرة الى المدينة ، مع وضوح الفرق بين الفترتين في حال البلدين. ولكنّنا لا نجد شيئا في ذلك عند رواة الحديث والتفسير والتأريخ.
__________________
(١) النحل : ٤١.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٥٣٥.
(٣) الاتقان ١ : ١٥.
(٤) الدر المنثور ٥ : ١١٨ والتمهيد ١ : ١٥٣.