وثالثا : أنّ خبر السيّد في خصوص المقام ليس بحجّة ، لأنّ قبول قوله يستدعي عدم قبول قوله لو شمله ، وما يلزم من وجوده عدمه محال ، لأنّ قوله بعدم الحجّية لو قبل لما كان قوله مقبولا لأنّه من أفراده.
وقد اورد على هذا الإيراد الثالث إيراد ملخّصه : أنّ قول السيّد بعدم الحجّية لخبر الواحد لا يستلزم عدم حجّية قوله (١) لاستحالة شمول خبره لقوله ، لأنّ الحكم يلزم تأخّره عن موضوعه ، فإذا فرض أنّه يحكي الحكم فيلزم أن يكون الحكم ـ وهو المحكيّ ـ متقدّما فيلزم أيضا تقدّم موضوعه ، فإذا فرض أنّه بالحكاية يصير له فرد من أفراد الموضوع فلا يعقل أن يكون الحكم المتقدّم شاملا للموضوع المتأخّر لاستدعائه تأخّر الحكم عنه ، والمفروض أنّ الحكم محكيّ به فيكون نفس الحكم متقدّما فلا يعقل تأخّره.
والجواب : أنّ الحكم له مرتبتان :
إحداهما : مرتبة الجعل والإنشاء ، وهذا الجعل لا يتوقّف على وجود الموضوع ، لأنّ جعله إنّما يكون بنحو القضيّة الحقيقيّة ، وهي لا يتوقّف على وجود الموضوع ، بل إنّما تجعل على تقدير وجود الموضوع. ومن ثمّ انحلّت القضيّة الحقيقيّة إلى شرطيّة وحمليّة فقولنا : «الخمر حرام» مثلا ينحلّ إلى قولنا : إن وجد الخمر فهو حرام.
والثانية : مرتبة الفعليّة ، وهذه المرتبة متوقّفة على وجود الموضوع ، إذ مرتبة الفعليّة هي مرتبة قابليّة الحكم للبعث والزجر ، ومعلوم أنّهما من آثار وجود المأمور به والمنهيّ عنه ، وهما متوقّفان على وجود الموضوع.
إذا عرفت هذا فما أخبر به وحكاه خبر السيّد المرتضى قدسسره عدم الحجّية في مرتبة الجعل وهي لا تتوقّف على وجود الموضوع ، وما هو متأخّر عن إخبار السيّد عدم الحجّية في مرتبة الفعليّة ، فلا يلزم تأخّر المتقدّم إذ المتقدّم غير المتأخّر ، بمعنى أنّ
__________________
(١) انظر نهاية الأفكار ٣ : ١١٨.