أمّا لو قرّر على الوجه الثاني من تقريراته وهو أن يستصحب عدم الجعل الكائن أوّل زمن البعثة ، فيقال إنّ في أوّل زمن البعثة قطعا لم تجعل حرمة شرب التتن فيستصحب.
فلا يرد على هذا الاستصحاب هذا الإيراد أصلا.
نعم ، ذكر الميرزا النائيني قدسسره إيرادين :
(وهناك إيراد آخر ملخّصه : أنّ الاستصحاب معارض ، فإنّ استصحاب عدم جعل الحرمة ساقط بمعارضة استصحاب عدم جعل الإباحة ، فإنّ كلّا منهما مسبوق بالعدم.
والجواب :
أوّلا : أنّ هذا مختصّ باستصحاب العدم الأزلي ، وأمّا العدم الشرعي الّذي ظرفه أوّل تشريع الشريعة المقدّسة فالإباحة حينئذ مجعولة بقوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ...)(١) ، وبمفاد رواية سراقة وغيرها. وثانيا : بأنّ المعارضة في المقام لا تقتضي التساقط ، لعدم اقتضائها المخالفة القطعيّة ، فإنّ عدم الإباحة لا أثر له فيما يهمّنا من العقاب ، إذ ليس العقاب من آثار عدم جعل الإباحة بل من آثار جعل التحريم ، فافهم.
وأمّا إيرادا الميرزا النائيني قدسسره (٢)) (٣) :
فأحدهما : أنّ هذا الاستصحاب لا يثبت العدم المنتسب إلى الشارع إلّا بالأصل المثبت.
والجواب : أنّ هذا العدم عدم نعتي وليس عدما محموليّا حتّى لا يثبت العدم النعتي ، فإنّ المستصحب عدم جعل الشارع في أوّل زمن البعثة ، فعدم جعل الشارع في أوّل زمان البعثة هو المستصحب لا عدم الجعل قبل الشرع.
__________________
(١) الأنعام : ١٤٥.
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٣٢٩ ـ ٣٣٠.
(٣) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.