إلّا أنّها مخصّصة بالدليل العقلي فلا تبقى موارد العلم الإجمالي تحتها ، وكذا عدم شمولها للشبهة قبل الفحص أيضا ، إذ لا معنى لشمول قوله : «الناس في سعة ما لا يعلمون» لمن يذهب ويجلس في قعر داره ولا يفحص عن الأحكام. فأخبار البراءة أخصّ ، فإذا كانت أخصّ فيخصّص أخبار التوقّف والاحتياط بغير موارد الشبهة البدويّة بعد الفحص خصوصا. وفي أخبار البراءة ما هو خاصّ بخصوص الشبهة التحريميّة مثل قوله : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (١) مع أنّ في خصوص أخبار الاحتياط ظهور في وجوب الاحتياط من جهة الصيغة واللسان ، ولكنّ أخبار البراءة صريحة في الترخيص فيمكن الجمع بحمل أوامر الاحتياط على الاستحباب ، فتأمّل (٢).
(والأولى أن يقال : إنّ خروج ما قبل الفحص من أدلّة البراءة إن كان من جهة الحكم العقلي الّذي هو كالقرينة المتّصلة بحيث يكون مانعا عن انعقاد الظهور له في الإطلاق فأدلّة البراءة أخصّ من أخبار الاحتياط والتوقّف ، والخاصّ مقدّم على العامّ بمقتضى الجمع العرفي.
وإن قلنا بأنّ خروجها من جهة التخصيص بالمخصّص الخارجي فإن لم نقل بانقلاب النسبة ـ كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري والآخوند قدسسرهما ـ فأخبار البراءة مع أخبار الاحتياط والتوقّف متباينة فيرفع اليد عن ظهور أوامر التوقّف بنصوصيّة أخبار البراءة ، فتحمل أخبار التوقّف على الاستحباب.
وإن قلنا بانقلاب النسبة كما هو الظاهر فنقول : إنّ قوله : «قف عند الشبهة ... إلى آخره» ظاهر في خصوص الشبهة التحريميّة إلّا أنّه عامّ لما قبل الفحص وما بعده
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ١٢٧ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٠.
(٢) أشار بالتأمّل إلى ما تقدّم من دعوى عدم قابليّة هذه الأخبار للتخصيص في الشبهة التحريميّة ، فكيف صارت الآن قابلة لأن تخصّص بما ذكره ، فافهم. (الجواهري).