بوقوع قطرة من البول في الإناء الأصفر أو الأحمر ثمّ علم يوم السبت أنّ الإناء الأحمر والإناء الأبيض الّذي هو الثالث قد وقعت فيهما يوم الخميس قطرة بول ، فأصالة الاشتغال العقلي الّذي منشؤه العلم الإجمالي الأوّلي المنكشف الآن أوجبت لزوم الاجتناب عن الأحمر والأبيض ، فينقلب العلم الإجمالي الأخير إلى متيقّن لزوم الاجتناب وهو الأحمر ، إذ من المحتمل وقوع قطرة بول يوم الجمعة فيه فلا يكون حينئذ علم بحدوث تكليف من العلم ، فأصالة الطهارة في الإناء الأصفر لا معارض لها أصلا فتجري. ولهذه الصورة وهي صورة تأخّر انكشاف المنكشف المتقدّم زمانه وإن تأخّر زمان انكشافه ثمرة مهمّة يأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
فقد ظهر أنّ الميزان في تنجيز العلم الإجمالي وعدمه تعارض الاصول في أطرافه وتساقطها وعدم تساقطها. ولا تقاس الأمثلة المذكورة بما إذا علم بوجوب الظهر أو الجمعة فصلّى الظهر. فلا يقال : إنّ العلم الإجمالي انحلّ ، لأنّ العلم الإجمالي بعد إتيان الظهر لم يتغيّر ولم ينقلب في ظرف حصوله إلى الشكّ البدوي بخلاف الصور المتقدّمة ، ولذا يجب إتيان الجمعة ثانيا حينئذ ، لأنّه من آثار العلم الإجمالي الّذي لم ينقلب أصلا. فافهم الفرق بين المقامين ، وإنّ المقام الأوّل ينكشف عدم تنجيز العلم الإجمالي من أوّل الأمر وإنّما انكشافه الآن ، بخلاف المقام الثاني فإنّه لا ينكشف منه عدم التنجيز من أوّل الأمر (*).
__________________
(*) كتب المقرّر قدسسره في أوراق مفردة تكملة لمبحث إجراء الاصول في أطراف العلم الإجمالي مشيرا إلى موضعه هنا ، وهذا نصّه :
لا يخفى أنّ الاصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي تكون على أنحاء :
أحدها : أن لا يكون الطرفان محلا إلّا لجريان أصل واحد من سنخ واحد كما لو علم بنجاسة أحد الثوبين فإنّه ليس في المقام إلّا أصالة الطهارة فتتعارض في الطرفين وبعد تساقطهما ينجز الاحتمال لعدم المؤمّن في كلّ من الطرفين.