ولا يخفى عليك ما في كلامه قدسسره أمّا أوّلا فلأنّ الجمع بين اللحاظين إنّما يكون على القول بكون مؤدّيات الطرق والأمارات أحكاما واقعيّة مجعولة من قبل الشارع المقدّس ، ولا يلتزم قدسسره به أصلا ، مع أنّه مؤدّ إلى الالتزام بالتصويب المجمع على بطلانه ، وهو تصويب المعتزلة القائلين بأنّ لله أحكاما واقعيّة ما لم تقم أمّارة على خلافها فيغيّر الحكم الواقعي ويجعل على طبق الأمارة القائمة (١) وإنّما يلتزم قدسسره في موارد قيام الطرق والأمارات بجعل ما كان ثابتا للقطع عقلا من التنجيز والإعذار لها فيقول بجعل التنجيز لها ، بمعنى أنّها إذا قامت على موضوع أو حكم مثلا فيترتّب عليه شرعا ما يترتّب على القطع عقلا من التنجيز إذا صادف الواقع والإعذار إذا خالفه ، فهو قدسسره ملتزم بجعل ما للقطع من الآثار للأمارات شرعا ، وعليه حينئذ لا يرد إيراد اجتماع اللحاظين ، لأنّ النظر الآلي مفقود في المقام.
(وبعبارة اخرى ، ليس في دليل الحجّيّة تنزيل للمؤدّى وإنّما فيها الإلزام بالسير على مقتضى الأمارة كالسير على مقتضى القطع ، فله أن يرتّب آثار وجوب السورة بقيام الأمارة بوجوبها فيقرأها في الصلاة ، كما له أن يفتي بوجوبها فيما اخذ فيه القطع موضوعا) (٢). مع أنّ ما ذكره من جعل التنجيز والإعذار غير مرضيّ عندنا ، لأنّ دليل جعل الحجّيّة إمّا أن يوسّع الموضوع أو يوسّع الحكم ، وحيث إنّ الحكم العقلي لا يعقل أن يثبت لغير مورده ، لأنّ الحكم العقلي إنّما يتبع موضوعه. وحينئذ فلا بدّ من توسعة الموضوع ، فمعنى جعل الشارع للحجّيّة ليس إلّا جعل الطريقيّة بمعنى أنّ طريقيّة القطع ذاتيّة ولكن طريقيّة الأمارات جعليّة بمعنى إلغاء احتمال الخلاف.
وحينئذ فإذا صار بسبب توسعة الشارع من أفراد القطع ترتّب عليه عقلا ما يترتّب على القطع من الأحكام العقليّة كالتنجيز والإعذار ، وصار طريقا جعليّا ،
__________________
(١) انظر نهاية الاصول : ٤٣٤ (مخطوط).
(٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.