فالشارع لم يجعل إلّا الطريقيّة له ، (ولو كان المجعول هو التنجيز والإعذار من دون جعل الطريقيّة لزم تخصيص قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، لعدم كون الأمارة بيانا ، والحكم العقلي غير قابل للتخصيص ، فافهم) (١).
ولا يخفى أنّ جعل الطريقيّة إنّما هي جعل طريقيّة ظاهريّة كطريقيّة القطع ، فلو خالفت الواقع لا يترتّب عليها أثر أصلا ، وإنّما تترتّب آثار الواقع ، فافهم. نظير القطع لو انكشف خطاؤه عينا ، وحينئذ فإذا جعل الشارع المقدّس طريقيّة الأمارة لترتيب آثار الواقع المنكشف فترتيب آثار نفس الانكشاف أولى بالترتّب ، فيترتّب التنجيز والإعذار قسرا عليه بلا حاجة إلى جعل الشارع لذلك ، كما ذكره قدسسره فتأمّل.
وبالجملة ، فلو كان معنى جعل الحجّيّة جعل المؤدّى لزم اجتماع اللحاظين وكان وجها للمنع كما ذكره قدسسره إلّا أنّه لا يلتزم به كما قدّمنا ، وهو غير صحيح في نفسه ، لعدم دليل من أدلّة الحجّيّة يدلّ على جعل المؤدّى أصلا. وأمّا قوله عليهالسلام : ما أدّيا عنّي فعنّي يؤدّيان (٢) المراد منه ليس جعل المؤدّى أصلا وإنّما معناه أنّ الشكّ الّذي يعتريكم في روايتهما ألغوه ، يعني ما أدّيا عنّي فكان مشكوكا لكم فهو عنّي ، بمعنى رتّبوا آثار القطع عليه ، وحينئذ فجعل المؤدّى ثبوتا غير ممكن لأدائه إلى التصويب المجمع على بطلانه ، وإثباتا أيضا غير صحيح ، لعدم دليل يدلّ عليه.
وبالجملة ، فالحقّ أنّ الأمارة لا تقوم مقام القطع المأخوذ في الموضوع على وجه الصفتيّة ، وذلك لأنّ الصفة وهي عدم التردّد له مدخليّة في الحكم. ولا ريب أنّ دليل حجّية الأمارة لا يرفع التردّد وجدانا ، وإنّما يرفعه تعبّدا ، فالصفة لا يمكن أن توجد بدليل الحجّيّة. ولكن لا يخفى أنّه لا قطع يؤخذ في موضوع حكم شرعي بنحو الصفتيّة أصلا ، فالبحث فيها بحث علمي لا جدوى فيه عملا.
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) الوسائل ١٨ : ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤.