والجزئيّة ، فلأنّ المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغيري في كلّ من الفعل والترك ، ليس إلّا لزوم المخالفة القطعيّة ، وهي غير قادحة ، لأنّها لا تتعلّق بالعمل ، لأنّ واحدا من فعل ذلك الشيء وتركه ضروري مع العبادة.
فلا يلزم من العمل بالأصل في كليهما معصية متيقّنة ، كما كان يلزم في طرح المتباينين كالظهر والجمعة.
وبتقرير آخر : إذا أتى بالعبادة مع واحد منهما قبح العقاب من جهة اعتبار الآخر في
____________________________________
أمّا على القول بالبراءة في تلك المسألة ، فترجيح التخيير واضح ، إذ لا فرق بين التخيير والبراءة في جواز كلّ من الفعل والترك وعدم لزومهما ، وإنّما الفرق بينهما في لزوم الالتزام بالوجوب في جانب الفعل ، وبالتحريم في جانب الترك ظاهرا في التخيير دون البراءة ، إذ يكفي فيها الالتزام بالإباحة ظاهرا ، فحينئذ إجراء البراءة يكفي في إثبات التخيير ، كما يظهر من المصنّف قدسسره فلا بدّ من إثبات البراءة ، فنقول :
إنّ مقتضي البراءة موجود والمانع مفقود ، أمّا وجود المقتضي ، فلأنّ لزوم كلّ من الفعل والترك بنفسه مشكوك فينفي بأدلّة البراءة الدالّة على نفي ما شكّ في لزومه.
وأمّا المانع فقد أشار إليه قدسسره بقوله :
(فلأنّ المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغيري في كلّ من الفعل والترك ، ليس إلّا لزوم المخالفة القطعيّة) الالتزاميّة (وهي غير قادحة).
وحاصل كلام المصنّف قدسسره في هذا المقام ، هو أنّ ما يلزم من إجراء البراءة ـ وهو المخالفة القطعيّة من حيث الالتزام ـ لا يكون مانعا عن البراءة ، وما يكون مانعا عنها ـ وهي المخالفة القطعيّة من حيث العمل ـ لا يلزم من إجراء البراءة.
لأنّ المكلّف بعد إجراء البراءة لا يخلو عن الفعل المطابق لاحتمال الوجوب ، أو الترك المطابق لاحتمال الحرمة ، فلا تلزم حينئذ المخالفة القطعيّة العمليّة ، كما أشار إليه قدسسره بقوله : (فلا يلزم من العمل بالأصل في كليهما معصية متيقّنة ، كما كان يلزم في طرح المتباينين كالظهر والجمعة) ، حيث يكون تركهما بعد إجراء الأصل مستلزما للمخالفة القطعيّة العمليّة ، وهي محرّمة ، فتكون مانعة عن البراءة ، فيجب الاحتياط بإتيان كليهما دفعا للعقاب المحتمل في ترك كلّ واحد منهما.