لم أقف على من صرّح بذلك ، ولكنّ الذي يقتضيه التحقيق أن يقال : إن كان الجنون بحيث صار بعد الإفاقة ما اجتهد فيه قبله مجهولا له غير عالم به ومنسيّا بالمرّة ، فالحقّ عدم جواز العمل له بما أدّى إليه اجتهاده ، ووجوب تجديد النظر والاجتهاد عليه إن تمكّن منه ؛ لعموم ما مرّت إليه الإشارة من الاصول والعمومات ، وكونه حينئذ كالجاهل بالحكم أو عينه ، وإلّا فالتقليد أو الاحتياط كما تأتي إليه الإشارة.
وإن لم يكن الجنون كذلك ، فالحقّ جواز العمل له بما أدّى إليه اجتهاده ؛ للأصل ، والعمومات السالفة.
الثاني : أنّه لو انحطّ عن درجة الاجتهاد والفقاهة ، وصار عاميّا صرفا أو بحكمه ، فهل يصحّ له البقاء على ما أدّى إليه اجتهاده قبل الانحطاط فيما علم به ، أم لا ، بل يجب عليه الرجوع إلى تقليد غيره الجامع للشرائط كالعامي ؟
لم أجد من تعرّض له أو نبّه عليه من الفقهاء والاصوليّين ، ولكنّ الذي يقتضيه التأمّل أن يقال : إن تمّ الاستصحاب والعمومات الدالّة على عدم جواز نقض اليقين إلّا باليقين ، المقتضية لوجوب العمل عليه بما أدّى إليه اجتهاده وصحّته ، وعدم جواز العدول إلى تقليد غيره.
مضافا إلى الأصل والاستصحاب ، والعمومات المانعة من التقليد والعمل بغير العلم ، المعتضدة أو المؤيّدة بالإطلاقات أو العمومات الدالّة على جواز عمل المجتهد بما أدّى إليه اجتهاده وصحّته ووجوبه.
فالمعتمد (١) هو الأوّل ، وإلّا فالثاني هو المعتمد ؛ لما مرّت إليه الإشارة.
ولكنّ الإنصاف أنّ القول الأوّل في بادي النظر لا يخلو عن قوّة ورجحان ؛ لما مرّ ، إلّا أنّه عند نافيه لا يصفو عن تأمّل وإشكال ، فإنّ هذا المجتهد المفروض انحطاطه عن درجته ، إمّا عاميّ صرف مطلقا ، وإمّا متجزّ قادر على استعلام حكم هذه المسألة
__________________
(١) جواب لقوله : « إن تمّ الاستصحاب و... » .