وحجّة القول الثاني وجهان :
أحدهما ـ وهو المستفاد من كلام السيّد قدسسره ـ : أنّ الواجب قسمان : مطلق ومشروط ، والثابت مطلق الوجوب وهو الأعمّ (١) من الوجوب المطلق ، ولا دلالة للعامّ على شيء من خصوصيّاته ، وحينئذ فالمعلوم المقطوع به وجوبه حال وجود المقدّمة ، ووجوده قبلها مشكوك فيه ؛ لأنّه إنّما يثبت إذا كان الواجب مطلقا ـ أي غير مقيّد بها ـ وهو غير متحقّق ؛ لما ذكرنا من عدم دلالة مطلق الوجوب على النوع الخاصّ منه ، والأصل براءة الذمّة من الوجوب في غير المتحقّق.
وضعفه ظاهر ؛ فإنّ إطلاق الأمر ظاهر في الوجوب في جميع الحالات ، وليس مدلوله مطلق الوجوب بل الوجوب المطلق ، فإنّ السيّد إذا قال لعبده : اصعد السطح ، لم يصحّ منه الاعتذار بأنّه موقوف على نصب السلّم ولم تكلّفني به ، ولم يتّفق وجوده بعد ، فلا يجب عليّ ، بل المتبادر عند العقلاء أنّه أوجبه في جميع أوقات القدرة ، ولهذا يلومونه على عدم التوصّل إلى الواجب باعتبار استلزام إخلاله بالواجب.
وثانيها : لو بقي الأمر على إطلاقه ، ولم يتقيّد بالمقدّمة ، لزم إمّا خلاف الأصل أو التناقض ، والتالي بقسميه باطل ؛ أمّا الأوّل ، فلأنّ مخالفة الأصل لشغل الذمّة بلا دليل باطل بالإجماع ، وأمّا الثاني فظاهر ، ووجه الملازمة أنّا إذا أبقينا الأمر على إطلاقه وأوجبنا الفعل على كلّ حال ، فإمّا أن يوجب المقدّمة وجوبا شرعيّا ، فيلزم مخالفة الأصل ، لأصالة عدم الوجوب ، وإمّا أن لا يوجبها ، فيلزم وجوب التوصّل إلى الواجب بما ليس بواجب.
الجواب (٢) : منع استحالة التالي بقسميه ؛ أمّا الأوّل فلوجود ما يخالف الأصل ، وهو إطلاق الأمر الشامل لجميع الحالات وعدم دليل التقييد.
__________________
(١) ألف : أعمّ.
(٢) ألف : والجواب.