وأمّا الأخباريّون فلمّا لم يتجاوزوا العمل بالأحاديث ، كان معناه عندهم هو الاتّفاق من الإماميّة على العمل والفتوى بحديث ، أو بأحد الحديثين المتعارضين ، أو على ثبوت حكم عن (١) معصوم. وذلك بإحدى الطرق الآتية إن شاء الله تعالى.
وهذا يعلم بالتتبّع التامّ لطريقتهم (٢) السديدة ، والاستقراء الصادق لقواعدهم الصحيحة ، فإنّه يعلم أنّهم لم يكونوا يعوّلون على غير النقل الثابت عن المعصوم أصلا ، كما قاله العلّامة في النهاية : أمّا الإماميّة فالأخباريّون منهم لم يعوّلوا في اصول الدين وفروعه إلّا على أخبار الآحاد المرويّة عن أئمّتهم. (٣) انتهى.
وفيه ما لا يخفى ، إلّا أن يراد أخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعيّة المفيدة للعلم بورود الحكم عنهم عليهمالسلام ، وإلّا فتعويلهم على خلافها خصوصا في الاصول غير معقول ، ويكون الحصر إضافيّا بالنسبة إلى أخبار الآحاد الخالية عن القرينة وإلى الاستنباط (٤) الظنّي ، وتبقى (٥) الأخبار المتواترة داخلة في الحصر ؛ إذ لا خلاف في العمل بها بين الأخباريّين والاصوليّين. ويأتي لهذا مزيد تحقيق إن شاء الله تعالى.
ولا يخفى على المتتبّع أنّ المتقدّمين ـ وهم الأخباريون ـ كانوا إذا أفتوا لا يزيدون على متن الحديث شيئا ، كما في المقنع والفقيه والمقنعة ونهاية الشيخ وغيرها. فكانوا إذا اتّفقت فتواهم جزموا بثبوت الحكم ووجوب العمل ، وتحقّق الإجماع. وهذا الاصطلاح من علمائنا الأخباريين هو الحقّ الصحيح الصريح المستفاد من النصوص عنهم عليهمالسلام ، كما أنّ طريقتهم كلّها مأخوذة عن أهل العصمة ، فإنّهم لم يحدثوا شيئا ولم يغيّروا ما امروا به ، ولا طال عليهم العهد فتدخل عليهم الشبهات.
وممّا يدلّ على صحّة ما ذكروه هنا أنّ كلّ حديث ورد في حجّية الإجماع عن المعصومين عليهمالسلام ، إنّما ورد في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين بموافقته للإجماع من
__________________
(١) الف : من.
(٢) الف ، ب : من طريقتهم.
(٣) نهاية الوصول إلى علم الاصول ( مخطوط ) الورقة ٢٠٩ ، البحث الرابع في وقوع التعبّد بخبر الواحد.
(٤) ب : الاستناد.
(٥) الف : ويبقى.