نبيّن ذلك فيما بعد. (١) انتهى.
واعلم أنّ من جملة القرائن أيضا تعلّق الحديث بالاستحباب أو الكراهة ؛ للأحاديث الكثيرة الواردة فيمن بلغه شيء من الثواب ، وبعضها صحيح السند باصطلاح الاصوليّين أيضا ، وهو ما رواه البرقي في المحاسن ، وإن كان قد اشتهر أنّ أحسن تلك الطرق حسن ، فليس بصحيح لما قلنا ، والثواب يترتّب على فعل المستحبّ وترك المكروه ، وهو أعمّ أيضا من المذكور تفصيلا أو إجمالا.
وقد صرّح الشيخ في مواضع بأنّ كلّ حديث عمل به فهو محفوف بالقرينة ، ومأخوذ من الاصول المعتمدة المجمع عليها ؛ وكذلك صرّح جماعة من المحقّقين كما تقدّم بعضه (٢) .
ولا بدّ من قبول قولهم في ذلك ، فلو ردّت شهادتهم فيه ، لوجب ردّها إذا شهدوا بتوثيق راوي حديث أو مدحه بطريق الأولوية ؛ وذلك لأنّ أمر العدالة والضبط خفيّ جدّا بالنسبة إلى نقل الحديث من كتاب من تلك الكتب المجمع عليها التي كتبت بأمر الأئمّة وعرضت عليهم ، وكانت موجودة عند الشيعة ، وبقيت إلى زمان ابن إدريس كما يفهم من آخر السرائر (٣) ، إلى زمان المحقّق كما يظهر من أوّل المعتبر (٤) .
وإذا لم يقبل قولهم في التوثيق والمدح ، لم يبق حديث من الأحاديث صحيحا ولا حسنا ولا موثّقا ، بل يصير الجميع من القسم الضعيف. وذلك ظاهر البطلان ، ضروري الفساد اتّفاقا ؛ فتعيّن ما قلناه ، والله الموفّق.
__________________
(١) العدّة في اصول الفقه ، ج ١ ، ص ٨ ـ ١٠.
(٢) لمزيد التوضيح انظر مشرق الشمسين ، ص ٢٦ ـ ٣٠ ؛ رجال الخاقاني ، ص ٢١٤.
(٣) السرائر ، ج ٣ ، ص ٥٤٩ فما بعد ، حيث قال : « ممّا استنزعته واستطرفته من كتب المشيخة المصنّفين والرواة المحصّلين ، وممّا استطرفه من كتاب ابن محبوب وأمثاله » .
(٤) المعتبر ، ج ١ ، ص ٣٣ حيث قال فيه : « واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم وعرف به اهتمامهم وعليه اعتمادهم ، فمن اخترت نقله : الحسن بن محبوب ، ومحمّد بن أبي نصر البزنطي ، والحسين بن سعيد ، والفضل بن شاذان ، ويونس بن عبد الرحمن و... » .