قال الكليني بعد إيراد هذين الحديثين :
ولهذه العلّة انبثقت (١) على أهل دهرنا بثوق هذه الأديان الفاسدة والمذاهب المستشنعة (٢) ، التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلّها ، وذلك بتوفيق الله وخذلانه ، فمن أراد الله توفيقه وأن يكون إيمانه ثابتا مستقرّا سبّب له الأسباب التي تؤدّيه إلى أن يأخذ دينه من كتاب الله وسنّة نبيّه بعلم ويقين وبصيرة ، فذلك أثبت في دينه من الجبال الرواسي. ومن أراد الله خذلانه وأن يكون دينه معارا مستودعا ـ نعوذ بالله منه ـ سبّب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل من غير علم وبصيرة ، فذاك في المشيئة ، إن شاء الله أتمّ ايمانه ، وإن شاء سلبه إيّاه ، ولا يؤمن عليه أن يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا ؛ لأنّه كلّما رأى كبيرا من الكبراء مال معه ، وكلّما رأى شيئا استحسن ظاهره قبله. (٣) انتهى.
ومعلوم أنّ الكليني وغيره من الأخباريّين لا يعملون ولا يعتمدون إلّا على الأحاديث الصريحة ، فمثل هذا الكلام مأخوذ من الأحاديث السابقة والآتية ، بل هو متن حديث البتة ، كما يعلم من عادتهم بالتتبّع.
الخامس : ما رواه أيضا في باب النسبة عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد قال : سئل عليّ بن الحسين عن التوحيد ، فقال : « إنّ الله عزوجل علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون ، فأنزل الله عزوجل ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ﴾(٤) والآيات من سورة الحديد إلى قوله : ﴿ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ﴾(٥) فمن رام وراء ذلك فقد هلك » . (٦)
__________________
(١) انبثقت ، أي هجمت ، يقال : انبثق الأمر على الناس ، أي هجم عليهم من غير أن يشعروا. لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ١٣ ( ثبق ) .
(٢) المستشنع : الفظيع القبيح. لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٨٦ ( شنع ) .
(٣) الكافي ، ج ١ ، ص ٧.
(٤) الإخلاص (١١٢) : ١.
(٥) الحديد (٥٧) : ٦.
(٦) الكافي ، ج ١ ، ص ٩١ ، باب النسبة ، ح ٣ ؛ بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٢٦٣ ، ح ٢١ ، عن التوحيد للصدوق.