وأنّك بجلوسك هذا تقاربه أو تدانيه ، أو أنّك بقدحك هذا فيه تساويه ، كلّا ثمّ كلّا ، وهل قام عمود الدين إلّا في أسفاره ، وفيه ، وهل هذا إلّا سيرة ساداته ومواليه ، أ ليس النبي صلىاللهعليهوآله خرج إلى الطائف ، وهاجر إلى المدينة لإحياء هذا الدين ، وتبعه على هذا وصيه أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقد هاجر من المدينة إلى البصرة ثمّ إلى الكوفة ثمّ إلى النهروان والشام ، كلّه محافظة على الشريعة. كما تنبئ عنه الرواية أنّه عليهالسلام لمّا حمل على أهل الشام ، وخفى صوته ، وحمل أولاده وأصحابه فوجده مالك يصلّي فقال : يا سيدي أ بمثل هذا المكان تصلي ؟ فقال عليهالسلام : « يا مالك وهل قتالي إلّا للصلاة » . وكذا سيرة ولديه المظلومين الحسن والحسين عليهماالسلام ، وكذا سائر الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام.
وقد أنزل الله تعالى ذلك في محكم كتابه كقوله تعالى ﴿ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ﴾(١) ، وأمثال هذا كثير ، فقد حذا أيّده الله حذو المتقدّمين من الأنبياء والوصيّين وعباد الله الصالحين ، حتّى قام عمود الدين بعد ما مال ، وأرشد إلى سبيل الهدى جماعة من أولى الضلال. ولم يزل السيّد يزأر ، ويهدر بهذا ، وأمثاله حتّى سكنت فورته ، وقرّت شقشقته.
وبلغ الخبر إلى السيّد المحقّق المدقّق السيّد محسن الكاظمي (٢) وهو في بلده ، فشدّ الرحال حتّى اجتمع بالسيّد المير وقال له : أنت القائل على رئيس مذهبنا وإمام ملّتنا ، قد ضيّع علمه ، وصار من أهل الأسفار ؟ فقال له السيّد : وما الذي جاء بك ؟ فقال : سمعت مقالتك ، وجئت لمعاقبتك ، وتأنيبك ، انتهى.
ورواها بطريق آخر عن حجة الإسلام الشيخ العلامة الشيخ محمّد طه نجف (٣) ـ حفظه الله وأيّده ـ ومولى المسلمين الشيخ عباس ـ أدام البارئ وجوده ـ أنّ السيّد مير عليّ كان مشغوفا بالتأليف والتصنيف ، ومولعا بكتابه المعروف بالرياض مفتخرا به ، ولم تكن له يد بالعبادة ، فلا يزيد في صلاته على غير
__________________
(١) الرعد (١٣) : ٧.
(٢) السيّد محسن الأعرجي الكاظمي ( ١١٣٠ ـ ١٢٢٧ ) صاحب كتاب المحصول في علم الاصول.
(٣) من كبار مجتهدي النجف ( م ١٣٢٣ ) .