الثاني : أنّه خاصّ بما ورد فيه محض الثواب ، ولا يشمل ما ورد فيه عقاب ، أو ثواب وعقاب.
أمّا الأوّل ، فيمكن الإلزام بخروجه بتخصيص التسامح بالمندوب ، وعدم إجرائه في المكروه ، وستعرف الكلام فيه.
ودعوى الشمول بواسطة صدق بلوغ ثواب على شيء من الخير ؛ فإنّ ترك المكروه تعبّدا له ثواب ، إلّا أن يقال : ظاهر الأخبار تصرف عن ذلك ، والتفصيل يأتي إن شاء الله.
وأمّا الثاني ، فإطلاق الأخبار يدفعه ، حيث جعل المناط على بلوغ الثواب ، ولم يضرّ عدم بلوغ شيء آخر ، ولعلّ نقصان العمل بما بلغ مع وجود معارض له في هذه الأخبار لا مماثلة فيه ، مع أنّ الالتزام بأصل خروج مثله أيضا لا يضرّ بالاستدلال ؛ فإنّ الغرض إثبات الحكم في مورد صدق البلوغ عرفا ، وإمكان العمل ، أو تحفّظه كذلك ، ولا يضرّنا ما خرج عنه موضوعا. (١)
الثالث : أنّ الثواب الموعود في تلك الروايات لا يستلزم الاستحباب ؛ لأنّ الظاهر كون الثواب للعمل المتفرّع على البلوغ ، وما يكون هو الداعي إليه ـ كما يرشد إليه قوله : « طلب قول النبيّ » ـ قوله : « التماس ذلك » ، ونحوه ، والنقل مستقلّ باستحقاق الثواب فيه ، فهذه مؤكّدة لحكم العقل ، والأمر فيه إرشادي ، وإنّما يمكن استفادة الاستحباب من ذكر الثواب إذا كان ثبوته ببيان شرعي لا يعرف إلّا من قبله ، فنقول بما كان لا يكون إلّا مع الإتيان بمطلوب ولا بدّ أن يكون هذا العمل مطلوبا للشارع لا مطلقا.
__________________
(١) قال الشيخ الأنصاري رحمهالله في رسالته ، تحت الأمر السادس من التنبيهات : « المشهور إلحاق الكراهة بالاستحباب في التسامح في دليله ، ولا إشكال فيه بناء على الاستناد إلى قاعدة الاحتياط. وأمّا بناء على الاستناد إلى الأخبار ، فلا بدّ من تنقيح المناط بين الاستحباب والكراهة ، وإلّا فموارد الأخبار ظاهر الاختصاص بالفعل المستحبّ ، فلا يشمل ترك المكروه إلّا أن يدّعى عموم لفظ ( الفضيلة ) في النبوي ، بل عموم لفظ ( الشيء ) في غيره للفعل والترك ، فتأمّل مضافا إلى ظاهر إجماع الذكرى » . رسائل فقهيّة ، ص ١٦٠.