المسلمون من يده ولسانه ، وأنّ من شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في الظلمات وارتبك في الهلكات ، ومدّت به شياطينه في طغيانه ، وزيّنت له سيّئ أعماله. وكن مؤدّب نفسك ، فإنّ مؤدّب النفس أحقّ بالإجلال من مؤدّب الناس ، وإنّ في شغل نفسك كفاية عن شغل غيرك ، فلتكن نفسك منك في تعب والناس منك في راحة ، فإنّ الله ربّك وربّهم أولى بهم ، وما أنت عليهم بحفيظ.
واعلم أنّهم لا يرضون منك أبدا ؛ لأنّ آراءهم مختلفة ، وقلوبهم غير متآلفة ، ولا يملكون لك خيرا ، ولا يصرفون عنك شرّا ؛ فلا تعمل لرضاهم ، ولا ترج منهم خيرا ، ولا تخف منهم شرّا ، بل جاهد في الله حقّ جهاده ، ولا تخف لومة لائم ، ولا ترج إلّا من ربّك ، ولا تخف إلّا من ذنبك.
واعلم : أنّك لن تبرأ من التقصير في حقّك ، والإسراف على نفسك ؛ فجنّب الإصرار والاستصغار ، والزم التوبة والاستغفار ، لا سيّما عند محاسبة نفسك في آخر النهار ، وإبرازها بين يدي ربّك في الأسحار.
ثمّ اعلم أنّ الله تبارك وتعالى جعلك عبدا لنفسه بمعنى أنّه جعل روحك في قبضته وحياتك بقدرته ، ورزقك بيده ، وقضاء حاجتك من عنده ، وحصول مآربك لديه ، ورجوعك إليه ، وحسابك عليه ؛ فليكن فيه طمعك ، ومنه طلب رزقك ، وعنده استقضاء حاجتك ، وبه انسك واستيناسك ، ومنه خوفك وخشيتك ، ولا تطمع في غيره ، ولا تجعل نفسك عبدا لمن سواه ، فإنّه ليس من في السماوات والأرض إلّا آتي الرحمن عبدا ، وكلّهم عباد أمثالك.
ولا تسأل أحدا أبدا ولو متّ جوعا ، فقد ورد عنهم عليهمالسلام : « إنّ شيعتنا من لم يسأل أحدا ولو مات جوعا » (١) وكذلك مدح به إبراهيم عليهالسلام ؛ بل اعتصم بالذي خلقك وسوّاك
__________________
(١) صفات الشيعة ، ص ١٧ ، ح ٣٤ ؛ كنز الفوائد ، ج ١ ، ص ٨٨ ؛ أعلام الدين ، ص ١٣٨ ؛ عدّة الداعي ، ص ٩٩. وعنه في وسائل الشيعة ، ج ٩ ، ص ٤٤٣ ، ح ١٢٤٤٨.