ثمّ اعلم : أنّ القرآن هو حبل الله المتين ، وسبيله الأمين ، وواعظه الناصح ، وبيانه الواضح ، وهاديه الذي لا يضلّ ، ومحدّثه الذي لا يكذب ، وعهده بين عباده ، فانظر فيه كلّ يومك ، واجعله ربيع قلبك ، وشفاء لما في صدرك ، وهدى لضلالتك ، وأنيسا لوحدتك ، وانسا لوحشتك ، وتذكرة لغفلتك ، ودليلا على ربّك ، وشافعا لذنوبك ، ونصيحا لنفسك ، وراعه حقّ رعايته ، وكن من أهله وحرثته ، واتله حقّ تلاوته بترتيلك لأجزائه ، وتطهير قلبك عند قراءته ، وتفكّرك في آياته وإصغاء مسامع قلبك إليه ، وائتمارك بأوامره ، وانتهائك بنواهيه ، وارتعادك عند تخويفه ، وركونك إلى تشويقه ، وتحليلك حلاله ، وتحريمك حرامه ، ورضاك بحدوده وأحكامه ، والاعتبار بقصصه ، والاتّعاظ بمواعظه ، وتعظيمك إيّاه ، وتصغيرك ما سواه.
ثمّ اعلم أنّه إذا انتصف الليل ، فهي أفضل الأوقات لمن اشتاق إلى المناجاة ، وعرض الحاجات ، ونيل الطلبات ، فلا تترك قيامها حيث كنت ، وعلى أيّ حال أنت ، فإنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطئا وأقوم قيلا ، (١) وإنّ ليلة الجمعة هي ليلة غرّاء أفضل الليالي ، ويومها وهو يوم أزهر أفضل الأيّام ، فاجعل لك في ليلتها ويومها حظّا من القربات زيادة على سائر الأوقات.
ثمّ اعلم : أنّ نفسك هي العزيزة التي لا ثمن لها إلّا الجنّة ، فاعرف قدرها ، فقد قال الإمام عليهالسلام : « العالم من عرف قدره » . (٢) فراقبها على الدوام ، وحاسبها في جميع الأيّام ، واشغلها بعملها ، وأرها أجلها ، وكذّب أملها ؛ فإنّ فيها سدّ جرأتها ، وكسر شوكتها ، وقمع شهوتها ، وبها حصول كمالها ، وإصلاح حالها ، واستمالتها إلى مآلها.
واعلم : أنّك لا تكلّف إلّا نفسك ، فإيّاك والتفكّر في امور الناس والتعرّض لمساويهم أو محاسنهم ، والتجسّس لعيوبهم ، والتعيير بذنوبهم ؛ فإنّ المسلم من سلم
__________________
(١) إشارة إلى الآية ٦ من سورة المزّمّل.
(٢) نهج البلاغة ، ص ١٤٩ ، ضمن الخطبة ١٠٣ ؛ الإرشاد للمفيد ، ج ١ ، ص ٢٣١ ؛ إرشاد القلوب ، ج ١ ، ص ٣٥.