والكسائي : إلّا ساحر. فالإشارة إلى عيسى عليهالسلام. والغرض من تعداد هذه النعمة على عيسى إلزام قومه بالحجّة ، فإنّهم ادّعوا أنّه إله.
ثمّ بيّن سبحانه تمام نعمته على عيسى عليهالسلام ، فقال : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أي : ألهمتهم. وقيل : أمرتهم على ألسنة الرسل. (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) أي : صدّقوا بي وبصفاتي وبعيسى أنّه عبد ونبيّ. ويجوز أن تكون «أن» مصدريّة وأن تكون مفسّرة. (قالُوا) أي : قال الحواريّون ادّعاء (آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) مخلصون.
ثمّ أخبر سبحانه عن الحواريّين وسؤالهم فقال : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) منصوب بـ «اذكر» ، أو ظرف لـ «قالوا». فيكون تنبيها على أنّ ادّعاءهم الإخلاص مع قولهم : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) لم يكن بعد عن تحقيق واستحكام معرفة.
وقيل : هذه الاستطاعة بناء على ما تقتضيه الحكمة والإرادة ، لا على ما تقتضيه القدرة. والمعنى : هل يفعل ذلك ربّك بمسألتك إيّاه ليكون علما على صدقك.
وقيل : يستطيع بمعنى يطيع ، كاستجاب بمعنى أجاب ، أي : هل يطيعك ويجيبك؟ وقرأ الكسائي : تستطيع ربّك ، أي : سؤال ربّك. والمعنى : هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله.
والمائدة : الخوان إذا كان عليه الطعام ، من : ماد الماء يميد إذا تحرّك ، أو من : ماده إذا أعطاه ، كأنّها تميد ، أي : تعطي من تقدّم إليه. ونظيرها قولهم : شجرة مطعمة.
ويؤيّد الأوّل (١) قوله : (قالَ اتَّقُوا اللهَ) من أمثال هذا الكلام والسؤال
__________________
(١) يعني : المعنى الأول من معاني «هل يستطيع» ، أي : هل يقدر ربك؟ وأنه لم يكن بعد عن