الجنّ» مفعولين قدّم ثانيهما على الأوّل ، أي : جعلوا الجنّ شركاء ، و «لله» متعلّق بـ «شركاء» أو حال منه. وفائدة تقديم «لله» استعظام أن يتّخذ لله شريكا من كان ملكا أو جنّيّا أو إنسيّا ، فلذلك قدّم اسم الله على الشركاء.
والمراد بالجنّ الملائكة ، فإنّهم عبدوهم وقالوا : الملائكة بنات الله. وسمّاهم جنّا لاجتنانهم ، تحقيرا لشأنهم. أو الشياطين ، لأنّهم أطاعوهم كما يطاع الله. أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم. أو قالوا : الله خالق الخير وكلّ نافع ، والشيطان خالق الشرّ وكلّ ضارّ ، كما هو رأي الثنويّة.
(وَخَلَقَهُمْ) حال بتقدير «قد». والمعنى : وقد علموا أنّ الله خالقهم دون الجنّ ، وليس من يخلق كمن لا يخلق.
(وَخَرَقُوا لَهُ) اختلقوا واقترحوا له. وقال في عين المعاني (١) : الخرق أشنع الكذب ، كأنّه يخرق العقل. وقرأ نافع بتشديد الراء للتكثير. (بَنِينَ وَبَناتٍ) فقالت اليهود : عزير بن الله ، وقالت النصارى : المسيح بن الله ، وقالت العرب : الملائكة بنات الله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه ، ويروا عليه دليلا ، بل جهلا منهم. وهو في موضع الحال من الواو أو المصدر ، أي : خرقا بغير علم.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) أنّ له شريكا أو ولدا.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من إضافة الصفة المشبّهة إلى فاعلها ، كقولك : فلان بديع الشعر ، أي : بديع شعره. أو إلى الظرف ، كقولهم : ثبت (٢) الغدر ، أي : ثابت فيه ، بمعنى أنّه عديم النظير فيهما. والمعنى : بديع سماواته وأرضه ، أو بديع فيهما.
وقيل : معناه مبدعهما ومنشئهما ابتداء لا من شيء ، ولا على سبق مثال. ورفعه على
__________________
(١) عين المعاني في تفسير السبع المثاني ، لمحمد بن طيفور السجاوندي الغزنوي ، من علماء المائة السادسة ، والظاهر أنه لم يطبع إلى الآن. راجع كشف الظنون ٢ : ١١٨٢.
(٢) في هامش النسخة الخطّية : «رجل ثبت الغدر ، أي : ثابت في القتال. منه».