(وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) بعد ما أرسل الشرط في طلبهم (قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) كلام مستأنف ، كأنّه جواب سائل قال ما قالوا إذ جاؤا.
وقرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم : إن لنا ، على الإخبار وإيجاب الأجر ، كأنّهم قالوا : لا بدّ لنا من أجر. والتنكير للتعظيم.
(قالَ نَعَمْ) أي : إنّ لكم لأجرا (وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) عطف على ما سدّ مسدّه «نعم» ، أي : إنّ لكم لأجرا وإنّكم لمن المقرّبين ، زيادة على الجواب ، أي : لا أقتصر على الأجر وحده ، بل لكم مع الأجر ما يقلّ عنده الأجر ، وهو التبجيل والتقريب. وقيل : إنّه قال لهم : تكونون أوّل من يدخل بي وآخر من يخرج.
(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) تخيير السحرة موسى مراعاة منهم لأدب حسن معه ، كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا ، أو إظهارا للجلادة ، ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله ، فنبّهوا عليها بتغيير النظم ، إذ مقتضى النظم : إمّا أن نلقي وإمّا أن تلقي ، فيغيّروه إلى ما هو أبلغ ، وهو إتيانهم بالجملة الاسميّة ، وتعريف الخبر ، وتوسيط الفصل ، وتأكيد ضميرهم المتّصل بالمنفصل ، فلذلك (قالَ) بل (أَلْقُوا) كرما وتسامحا ، أو تحقيرا بهم ، وقلّة مبالاة بهم ، ووثوقا على شأنه ، وثقة بما كان بصدده من المعجز الإلهي والتأييد السماوي.
(فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) بما أروهم ممّا لا حقيقة له في الخارج من الحيل والشعبذة ، كقوله : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (١) ، بخلاف موسى (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) وأرهبوهم إرهابا شديدا ، كأنّهم طلبوا رهبتهم (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) في فنّه.
روي أنّهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا ، بعد أن لوّنوها بلون الحيّات ، وجعلوا فيها الزئبق ، فإذا هي أمثال الحيّات قد ملأت الأرض ، وركب بعضها بعضا.
__________________
(١) طه : ٦٦.