وروي أنّ فرعون قبل صدور السحر من السحرة دعا رؤساءهم ومعلّميهم فقال لهم : ما صنعتم؟ قالوا : قد عملنا سحرا عظيما لا يطيقه سحرة أهل الأرض ، إلّا أن يكون أمرا من السماء ، فإنّه لا طاقة لنا به. وهم كانوا ثمانين ألفا.
وقيل : سبعين ألفا. وقيل : بضعة وثلاثين ألفا. وقيل : كان يعلّمهم مجوسيّان من أهل نينوى. وقال فرعون : لا يغالب موسى إلّا بما هو منه ، يعني : السحر.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فألقاها فصارت حيّة عظيمة (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) تبتلع (ما يَأْفِكُونَ) أي : ما يزوّرونه ويقلبونه عن الحقّ إلى الباطل ، من : الإفك ، وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه. ويجوز أن تكون «ما» مصدريّة ، وهي مع الفعل بمعنى المفعول ، أي : تلقف مأفوكهم. وقرأ حفص عن عاصم : تلقف بالتخفيف حيث كان.
وقيل : إنّها لمّا تلقّفت حبالهم وعصيّهم بأسرها أقبلت على الحاضرين ، فهربوا وازدحموا حتّى هلك جمع عظيم ، ثمّ أخذها موسى فصارت عصا كما كانت ، وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة ، إذ فرّقها أجزاء لطيفة. فقالت السحرة : لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصيّنا.
(فَوَقَعَ الْحَقُ) فثبت ، لظهور أمر موسى بهذه المعجزة البيّنة (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من السحر والمعارضة.
(فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) أي : صاروا أذلّاء منهزمين. أو رجعوا إلى المدينة أذلّاء مقهورين. والضمير لفرعون وقومه.
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) أي : جعلهم الله ملقين على وجوههم ، تنبيها على أنّ الحقّ بهرهم (١) واضطرّهم إلى السجود ، بحيث لم يبق لهم تمالك. أو أنّ الله تعالى ألهمهم ذلك حتّى ينكسر فرعون بالّذين أراد بهم كسر موسى ، وينقلب الأمر
__________________
(١) بهره ، أي : غلبه وفاق عليه.