لا يصير مورداً للقاعدة ، ولم يعلم من مدّعي الإجماع أيضاً إلّا الإجماع على البطلان مع العلم بالغصب وحرمة التصرّف ، لا الإجماع على اشتراط الإباحة ، حتّى يقال فيما نحن فيه : إنّ بطلان الوضوء بسبب عدم الإتيان بالمأمور به لا للإتيان بالمنهي عنه ، حتّى يقبل منع دلالة النهي على الفساد.
والأظهر عندي عدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة ، إلّا فيما يحصل معه العلم بارتكاب الحرام ، كما تدلّ عليه صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها في كلّ شيء يكون فيه حلال وحرام (١) ، ووجوب المقدّمة أيضاً لا يجدي فيما نحن فيه ، إذ القدر المسلّم من وجوب اجتناب الحرام هو ما عُلمت حرمته ، وحينئذٍ فيجوز التصرّف في أحد الماءين ، فإذا جاز التصرّف فإنّه يصحّ الوضوء.
وكذلك لو انقلب أحد الماءين المشتبهين بالمغصوب ، خرجنا عن ذلك الأصل في المشتبه بالنجس في خصوص الإناءين بدليل وبقي الباقي.
ثم إنّ ما ذكرنا من المنع إنّما يتمّ فيما لو وجد ماء غير المغصوب والمشتبه ، وإلّا فيتعيّن البطلان ، لعدم بقاء مورد آخر للأمر ، فتتحد جهتا الأمر والنهي.
الثاني : أن يكون طاهراً ، فلا تجوز الطهارة بالماء النجس ، والمراد بعدم الجواز عدم ترتب الأثر ، لا الحرمة المصطلحة ، إلّا أنّ يعتقدها جائزة ، اعتقاداً ناشئاً من غير حجّة شرعيّة.
وقد يستدلّ على الحرمة بالأخبار الكثيرة الناهية عن الوضوء به ، ودلالتها غير واضحة ، إذ الظاهر منها عدم الاعتداد به ، كما هو إجماعيّ ، ومدلول عليه بالأخبار أيضاً ، مثل صحيحة عليّ بن مهزيار ، في حكاية مكاتبة سليمان بن راشد الاتية في لباس المصلي (٢) ، وموثّقة عمار الإمرة بإعادة الوضوء والصلاة لمن وجد في الانية
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ح ٣٩ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ح ٩٨٨ ، الفقيه ٣ : ٢١٦ ح ١٠٠٢.
(٢) الوسائل ٣ : ٢٥٨ أبواب لباس المصلّي ب ٧ ح ٣.