ثم إنّ الأصحاب استثنوا بول الرضيع قبل الاغتذاء بالطعام ، فلم يوجبوا الغسل ، بل اكتفوا بالصبّ ، والظاهر أنّ الصبّ أعمّ من الغسل من وجه ، وأنّ مرادهم أنّه لا يجب الغسل ، بل يكفي الصبّ ولو كان في ضمن غير الغسل.
وأنت خبير بأنّ الغسل بالقليل في العرف لا يصدق إلّا بالجريان وانفصال الماء ، بخلاف الصبّ ، وظاهر القائلين بكفاية الصبّ أنّه لا يجب الغسل.
قال السيد في المسائل الناصريّة : وعندنا أنّ بول الغلام الصغير لا يجب غسله من الثوب ، بل يصبّ عليه الماء صبّاً ، وإن كان قد أكل الطعام وجب غسله ، وقال الشافعي بمثل مذهبنا ، ونص على أنّه يكفي فيه الرش إلى أن قال وأما الذي يدلّ على خفّة بول الرضيع وجواز الاقتصار على صبّ الماء والنضح فهو إجماع الفرقة المحقّة ، وما رواه أمير المؤمنين عليهالسلام عن النبيّ صلى الله عليه وإله قال : «يغسل من بول الجارية ، وينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام» (١) وروت لنا زينب بنت الجون أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أخذ الحسين بن عليّ عليهالسلام فأجلسه في حجره فبال عليه قالت ، فقلت له صلىاللهعليهوآله : لو أخذت ثوباً وأعطيتني إزارك لأغسله ، فقال عليهالسلام : «إنّما يغسل من بول الأُنثى ، وينضح على بول الذكر» (٢) هذا كلامه (٣).
وهو كما ترى يدلّ على عدم اعتبار الجريان أصلاً.
ومثله كلمات غيره ، قال في الذكرى : وقال الفاضل مراتب إيراد الماء ثلاثة : النضح المجرد ، ومع الغلبة ، ومع الجريان ، ولا حاجة في الرش إلى الجريان ، بل إلى النضح والغلبة ، وجعل الرش لبول الرضيع (٤) إلى غير ذلك من كلماتهم
__________________
(١) سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ح ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، عمدة القارئ ٣ : ١٣.
(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ح ٣٧٥ ولكنه عن لبابة بنت الحارث ، وعنه في البحار ٤٣ : ١٠٣.
(٣) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨١.
(٤) الذكرى : ١٧.