قبل ألف وأربعمائة عام المسير الذي أخذت تثبته التجارب والبحوث شيئاً فشيئاً ، وما زالت تبلغنا فوائد وحِكَم ما جاء به الإسلام من الأحكام من غرب الأرض وشرقها ، ، وما زِلنا نشاهد الوثائق تلوَ الوثائق على صحّة ما نعتقده من تبعيّة أحكام الإسلام للمصالح والمفاسد العائدة إلى البشر. بل كان دأبُ النبيّ (ص) والأئمّة المعصومين (ع) هو دعم التشريع ببيان بعض المصالح الدنيويّة التي توصّل البشر إليها اليوم ، أو يمكن التوصّل إليها يوماً ما ، فقد نصّ القرآن على أنّ مضارّ الخمر أكثر من منافعه ، وقد باتَ هذا الشيء في أذهان مثقّفي الغرب وحافظي النّظم من الأُمور البديهيّة ، وكذا فقد صار تجويز الزنا واللواط عند مدّعي الحرّيّة كإرثه ووبالاً أورثَ عندهم الداء القاتل ، بالإضافة إلى ضياع الأنساب وتفكّك المجتمعات ، وغيرها مما لا يحصى.
هذا بالإضافة إلى ما في التزام الجوانب العباديّة والامتثال أمام الخالق والانصياع لأوامره وحمده وتسبيحه وذكره من الاطمئنان الذي لا يمكن إدراكه بأيّ وسيلة أُخرى ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
ونتيجة لوقوف الشارع والمتشرّعة يعني النبيّ والأئمّة (ع) على عِظم خطر الفقه ، وخطر تفويت مصالح الأحكام الشرعيّة ، فقد بذلوا كلّ ما بوسعهم في سبيل نشر الأحكام الشرعيّة وتعليمها والحثّ على تطبيقها ، ولم يتردّدوا في التضحية في هذا السبيل ، وأوقفوا أعمارهم الشريفة على ذلك.
وكان نتيجة كلّ ذلك الاهتمام والتأكيد أن قام رجال من ذوي العقول الشامخة والآراء الصائبة بتعلّم فنون الفقه وتدوينه واستنباط أحكامه منذ بزوغ شمس الإسلام ، وعلى مرّ العصور والأعوام ، حاملين أدواته عن السابقين إلى اللاحقين ، فأبرموا بذلك عُقدة الدين القويم ، ونفوا عنه تحريف الغالين ، وعمّروا به أرجاء الأرضين.
ونتيجة ذلك الاهتمام وطرو بعض الظروف كغيبة الإمام أخذ الفقه يتطوّر على مرّ الأعصار ، وصارت كيفيّة استنباط الأحكام والفتيا بها تتغيّر بمرور الزمان ، وساعد على ذلك الابتعاد عن زمان صدور الأحكام والتعاليم السّامية.