والتحقيق : أنّ الغسل في اللغة والعرف هو إجراء الماء على الجسم وفصله عنه ، ففيما لا حاجة في تحقّق ذينك المعنيين إلى أمر خارج سوى صبّ الماء فيتحقّق الغسل ، وأما ما يحتاج إليه فهو الذي يجب فيه العصر والتغميز لإجراء الماء على جميع أجزاء ذلك الجسم وفصله عنه ، وذلك لا يوجب دخول العصر في مفهوم الغسل ، بل إنّما هو شرط فيما لا يتمّ إلّا به في تحقّق المفهوم ، ولا يوجب عدم كون الصبّ على الأجسام الصلبة وفصله عنها غسلاً ، بل ومثل صبّ الماء على الصوف وما ينسج منه ، فإنّه يخرج منه الماء بنفسه بسهولة ، وهذا واضح لا سترة فيه.
ثمّ إنّ الغسل أمر متأصّل قد يطلب هو بنفسه وقد يتعدّى بمن ، فقد يقال : اغسل يديك وقد يقال اغسل يديك من البول ، فما يتعدّى إلى الغير تجب فيه ملاحظة إزالة ذلك الشيء أيضاً سواء كان حدثاً أو خبثاً ، وسواء كان الخبث ذا جسم عيني أو لا ، فيجب الغسل فيما لا عين له لإزالة حكمه ، وفيما له عين لإزالة العين والحكم كليهما ، فقد يكون العصر دخيلاً في إزالة العين أيضاً.
فما ذكرنا من الأمرين هو السرّ في اعتبار الفقهاء العصر ، لا أنّه داخل في مفهوم الغسل.
وأما إخراج الماء وفصله بالجفاف فهو لا يفيد إتمام تحقّق مفهوم الغسل عرفاً.
وظهر مما ذكرنا ضعف ما قد يستدل على عدم لزوم العصر : بأنّ إطلاق ما دل على طهارة الثوب بالغسل يقتضي طهارة الماء المتخلّف في المحلّ ، وأنّه لا فرق بينه وبين المتخلّف بعد العصر وإنّ أمكن إخراجه بقوّة ، وهو ضعيف ، لما عرفت. والأخير (١) قياس.
وكذلك ما قيل : إنّ التحقيق يقتضي إناطة الحكم بما يتحقّق منه مسمى الغسل في العرف ، ويعلم منه إزالة النجاسة بأسرها ؛ وبناء الزائد على ذلك على نجاسة الغُسالة
__________________
(١) في «م» ، «ز» : والآخر.