وبالجملة النسبة بين أصل البراءة وقاعدة وجوب المقدّمة عموم من وجه ، وفي الأحكام والأخبار لكلّ واحد منهما مخالف في الجملة ، كحلّيّة مال الغاصب المختلط ومال السارق ونجاسة الإناءين المشتبهين ، فإما أن تخصص قاعدة وجوب المقدّمة ، أو قاعدة أصل البراءة ، والترجيح لأصل البراءة. سيّما وقاعدة وجوب المقدّمة لا تتم فيما نحن فيه كما عرفت.
وبالجملة الحكم بوجوب الاجتناب في المحصور غير واضح المأخذ ، إلّا أن يدّعى عليه الإجماع ، وهو غير معلوم.
وكيف كان ، فالأظهر أنّ المراد بنجاسة الجميع : هو أنّه لا يجوز استعمالها في المشروط بالطهارة ، كالثوب في الصلاة ، والأرض في السجود ، والماء في الوضوء ، لا أنّ حكمها حكم النجاسة حتّى يجب الاجتناب عما لاقاها رطباً ، فإنّ الأصل طهارة الملاقي ، ولا يجوز نقض اليقين بالشك. ويظهر من العلامة في مسألة الإناءين جعلها من باب النجاسات (١) ، وهو ضعيف.
وأما غير المحصور ، فلم يختلفوا في عدم وجوب الاجتناب ، وجميع الأجزاء باقية على الطهارة ، ويؤيّده لزوم الحرج والعسر.
وذكروا في تحديد المحصور وغير المحصور وجوهاً ، أوجهها : حمل غير المحصور على ما يعدّ اجتنابه حرجاً وعسراً ، وعدم تحديد ذلك في الأخبار وكلام الأصحاب أيضاً مؤيّد لما ذكرنا.
وقد جعلوا من المشتبه ما لو اشتبه من جهة تعارض البينتين على تقدير قبولها في إثبات النجاسة ، فقد تتعارضان في شيء واحد ، بأن تشهد إحداهما بطهارته والأُخرى بنجاسته ، فقيل : إنّه ملحق بالمشتبه بالنجس (٢) ، وهو ضعيف ، لعدم حصول العلم بالنجس في الجملة ، لتعارضهما وتساقطهما. وقيل : بترجيح بينة
__________________
(١) المنتهي ١ : ١٧٨.
(٢) القواعد ١ : ١٩٠.