والإيراد بأنّ ذلك إنّما يتمّ في مثل النجاسة ووجوب الاجتناب ، أما في مثل العدول إلى التيمّم فلا ، لاستصحاب شغل الذمة بالصلاة بالمائيّة (١) ، هو معارض باستصحاب عدم وجوب الاجتناب عمّا لاقته النجاسة ، فإنّ وجوبه مشروط بانتفاء الكرّيّة.
والحق أنّ أمثال ذلك لا يستلزم الكرّيّة ولا عدمها ، بل إنّما يثبت حكمها ، فيتبع حكم كلّ في موضعه.
نعم يمكن إثباتها مع قطع النظر عن الموارد الخاصة بالأصل ، فيكون ظنّاً شرعياً اجتهادياً يقوم مقام اليقين.
وكذلك الاستدلال بقولهم عليهمالسلام : «كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» (٢) بعد الإيراد بما تقدّم والجواب عنه.
والأحسن الاستدلال بصحيحة محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليهالسلام ، قال : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء ، والكرّ ستمائة رطل» (٣) وما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير بهذا المضمون (٤) ، فإنّه لا يجوز حمل الرطل ههنا إلّا على المكّي ،
__________________
(١) حاصل الاستدلال : أنّ الماء الراكد الذي هو كرّ باعتبار الرطل العراقي وليس بكرّ باعتبار المكّي والمدني إذا لاقته نجاسة مشكوك في كونه الكرّ الذي حكم الشارع بعدم تنجسه بالملاقاة أم لا ، فمقتضى استصحاب جواز الانتفاع واستصحاب عدم شرط زائد على هذا القدر يقتضي طهارته وعدم وجوب الاجتناب عنه وجواز الانتفاع به في الشرب والطهارة الخبثيّة والحدثيّة وغيرها. وحاصل الإيراد أنّ اشتغال الذمّة بالطهارة المائيّة لأجل الصلاة مستصحب ولا يحصل البرء بأدائه بالطهارة بهذا الماء ولا يصح الوضوء والغسل به إلّا إذا علم كون هذا الماء بمقدار الكرّ الذي اعتبره الشارع في عدم تنجسه بالملاقاة ، فهذا الاستصحاب مدافع للاستصحابين المتقدّمين ، وحاصل المعارضة أنّ هذا الماء المذكور قبل ملاقاة النجاسة لم يجب الاجتناب عنه إلّا إذا علم أنّه ليس بمقدار الكرّ المعتبر في الشرع فشرط وجوب الاجتناب عنه هو العلم بانتفاء كرّيته والانتفاء غير معلوم فوجوب الاجتناب غير معلوم ، فيجوز الانتفاع به حتّى في الطهارة فلا ينتقل إلى التيمم (منه رحمهالله).
(٢) الوسائل ١ : ١١٧ أبواب الماء المطلق ب ٩.
(٣) التهذيب ١ : ٤١٤ ح ١٣٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١ ح ١٧ ، الوسائل ١ : أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٣.
(٤) التهذيب ١ : ٤٣ ح ١١٩ ، الاستبصار ١ : ١١ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٢.