والتحقيق أنّه إن كان مستندهم في المنع من تقديم الطهارات للغايات الموقّتة على أوقاتها دليلا خاصّا تعبّديّا من نصّ أو إجماع ونحوه ، فإن كان مقتضاه عدم جواز تقديم الطهارة المائيّة مطلقا أو في الجملة ، تبعها الترابيّة. وإن كان مقتضاه عدم جواز تقديم الترابيّة فقط ، اقتصر عليها ، وعمل فيما عداها على ما تقتضيه القواعد التي سنشير إليها.
وإن كان ذلك لبنائهم على عدم إمكان تعلّق الأمر بالمقدّمة قبل تنجّز التكليف بذيها كي يقع عبادة ، فهو إن تمّ لا يقبل التخصيص ، فيجب أن يكون الوضوء للتأهّب خارجا من موضوعه إمّا بكون التأهّب بنفسه غاية مستقلّة أو رجوعه إلى غاية أخرى غير ما لم يدخل وقتها ، فعلى هذا لا مانع من قيام التيمّم مقامه بعد الاعتراف بعموم المنزلة.
ودعوى شمول معاقد الإجماعات له بعد خروجه من موضوعها ، غير مسموعة.
لكنّك قد عرفت في صدر الكتاب ـ عند توجيه وجوب الغسل في الليل لصوم يومه ـ وهن هذا البناء ، وأنّ الحقّ ـ الذي لا ريب فيه ـ أنّ الأوقات في التكاليف الموقّتة إنّما هي أوقات لأدائها في الخروج من عهدة التكليف بها ، وأمّا نفس التكاليف فيجب أن تتوجّه خطاباتها إلى المكلّف قبل حضور زمان الفعل ، فإذا أراد المولى إكرام زيد ـ مثلا ـ من الظهر إلى الغروب ، يجب أن يكلّفه بذلك قبل الوقت بأن يأمره بإيجاده في الوقت ؛ إذ لا يعقل أن يأمره بإيجاد شيء في زمان صدور الطلب ، فالطلب إنّما يتعلّق بإيجاد شيء في المستقبل إمّا مطلقا أو في زمان معيّن متّصل بالطلب أو منفصل عنه ، ووجوب المقدّمة إنّما ينبعث من الأمر بذيها ،