الثاني ـ ذهب علماء النفس إلى أهمية الرؤيا وقيمتها لإتخاذها في القضية النفسية ـ في أواخر القرن التاسع عشر ـ وإحتجوا ببعض المنامات الصحيحة التي تنبأ عن حوادث مستقبلية ، أو أوامر خفية أوردوها في كتبهم مروية بطرق صحيحة لا يخالطها شك. وهذا ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي (قده) في قوله : «ما منا واحد إلا وقد شاهد من نفسه شيئاً من الرؤى والمنامات دَلّهُ على بعض الأمور الخفية أو المشكلات العلمية أو الحوادث التي ستستقبله من الخير أو الشر أو وقوع سمعه بعض المنامات التي من هذا القبيل ، ولا سبيل إلى حمل ذلك على الإتفاق وإنتفاء أي رابطة بينها وبين ما ينطبق عليها من التأويل ، وخاصة في المنامات الصريحة التي لا تحتاج إلى تعبير» (٢٥١).
وبعد ذكر أهم الأقوال في مسألة الرؤى ؛ نخرج بالنتيجة التالية :
أولاً ـ لا ينكر الإنسان أنّ للعوامل الخارجية المرتبطة ببدنه كالحر والبرد ونحو ذلك ، وكذلك للعوامل الداخلية الطارئة عليه ، كأنواع الأمراض ، وإمتلاء المعدة تأثير في المتخيلة ، وتأثير على الرؤى ولذا نلاحظ أنّ أغلب الرؤى والمنامات من التخيلات النفسانية التي لها إرتباط بشيء من الأسباب المذكورة ، فمثلاً : من أثّرَت فيها حرارة أو برودة بالغة ؛ يرى في منامه نيراناً مؤججة أو الشتاء ونزول الثلج. وأنّ من إنحرف مزاجه أو امتلأت معدته ؛ يرى رؤيا مشوشة.
وهذا الذي ذكره منكروا حقيقة الرؤى من علماء الطبيعة. وهذه الدعوى يمكن إبطالها بما يلي :
__________________
(٢٥١) ـ الطباطبائي ، السيد محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن : ج ١١ / ٢٦٩.