الحادث كلما كان أتم وأعجب وأتقن ؛ كان دلالته على ما ذكر أوضح وأحسن ، بل لكونها من عالم الغيب ـ ولا ريب في وجودها لأحد ؛ إذ ما من أحد إلا ورأى في عمره منامات كثيرة ـ صادقة ؛ فكانت من أحسن الطرق إلى تصديق الغايب عن جميع الحواس.
ثانياً ـ أنّها تدل على صدق الرسل المستلزم لثبوت مرسلها ، وعلى صدق ما أخبروا به من أحوال بعد الموت وأحواله المستلزمة لثبوت رسالتهم المستلزم له أيضاً ولعل إلى هذا يشير قوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ) [الروم / ٢٣] ، إن كان المراد بالمنام الرؤيا وهو أحد إطلاقاته كما في قوله عليه السلام : (لا يزال المنام طايراً حتى يُقصّ). ويُؤيّد بما رواه الحسن بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : (إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق ، وإنما حدثت. فقلت : وما العلة في ذلك؟ فقال : إنّ الله عَزّ ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه فدعاه إلى عبادة الله وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فمالنا؟ فوالله ما أنت بأكثرنا مالاً ولا بأعزنا عشيرة. فقال : إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة ، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار ، فقالوا : وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك. فقالوا : متى نصير إلى ذلك؟ فقال : إذا متم. فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً ، فأحدث الله عَزّ وجَلّ فيهم الأحلام ، فأتوا فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك. فقال : إنّ الله عَزّ وجَلّ أراد أن يحتج عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان) (٢٨٤).
__________________
(٢٨٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : مرآة العقول ، ج ٢٥ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.