شاطئ العلقمي ، وقام القتال فيما بينهم وحموا الماء عليه وقتلوه وأنصاره وبنيه ، وكان مدة إقامتنا وإرتحالنا تسعة عشر يوماً ، فرجعت غنياً إلى منزلي والسبايا معنا ، فعُرِضَتْ على عُبَيد الله فأمر أن يشهروهم إلى يزيد إلى الشام ، فلبثت في منزلي أياماً قلائل ، وإذا أنا ذات ليلة راقد على فراشي ، فرأيت طيفاً كأنّ القيامة قامت والناس يموجون على الأرض كالجراد إذ فقدت دليلها ، وكلهم دالع لسانه على صدره من شدة الظمأ ، وأنا أعتقد أنّ فيهم أعظم مني عطشاً ؛ لأنّه كلّ سمعي وبصري من شدته ، هذا غير حرارة الشمس تغلي منها دماغي ، والأرض تغلي كأنّها القير إذ أشعل تحته نار ، فخلت أنّ رجلي قد تقلعت قدماها ، فوالله العظيم لو أنّي خيرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لأشربه ؛ لرأيت شربه خيراً من عطشي ، فبينما أنا في العذاب الأليم والبلاء العميم ، إذ أنا برجل قد عَمّ الموقف نوره وابتهج الكون بسروره ، راكب على فرس وهو ذو شيبة قد حفت به الوف من كل نبي ووصي وصديق وشهيد وصالح ، فمَرّ كأنّه ريح أو سيران فلك ، فمرت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أعزّ ، له وجه كتمام القمر تحت ركابه الوف إن أمر ائتمروا ، وإن زجر إنزجروا ، فإقشعرت الأجسام من لفتاته ، وإرتعدت الفرائص من خطواته ، فتأسفت عن الأول ما سألت عنه خيفة من هذا ، وإذا به قد قام في ركابه وأشار إلى أصحابه وسمعت قوله خذوه ، وإذا بأحدهم قابض بعضدي كلبة حديد خارجة من الناس ، فمضي بي إليه فخلت كتفي اليمنى قد إنقلعت ، فسألته الخفة فزادني ثقلاً ، فقلت له : سألتك بمن أمرك عليّ من تكون؟ قال : ملك من ملائكة الجبار. قلت : ومن هذا؟ قال : علي الكَرّار. قلت : والذي قبله؟ قال : محمد المختار. قلت : والذين حوله؟ قال : النبيون والصديقون