وإلا فالخروج عن الشيء مستلزم للدخول في غيره والتلبس به البتة فلا معنى لهذا التراخي والمهلة المدلول عليها ب «ثم» لو كان المراد ما هو أعم من الأفعال ومقدماتها
ولعل الإجمال في الاخبار انما وقع بناء على معلومية الحكم يومئذ كما هو الآن معلوم بين الفقهاء فإنهم يعدون أفعال الصلاة ويفسرونها بهذه الأفعال المشار إليها آنفا المخصوصة بالبحث والتبويب في الكتب الفقهية وكذا في الاخبار.
وبالجملة فصحيحة عبد الرحمن الاولى صريحة في هذا الحكم فيحمل عليها إجمال هذين الخبرين بالتقريب الذي ذكرناه.
واما صحيحته الثانية الدالة على انه متى شك حال الهوى للسجود في انه ركع قال (عليهالسلام) «قد ركع» فالذي يقرب عندي انها ليست من محل البحث في شيء بل هي محمولة على كثير السهو ، ولعله (عليهالسلام) علم ذلك من قرينة الحال والسؤال يومئذ أو ان ذلك مجرد وسواس.
ومما يدفع الاستبعاد عما ذكرنا صحيحة الفضيل المتقدمة قريبا (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) استتم قائما فلا أدرى ركعت أم لا؟ قال بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان». فإنه لا إشكال في ان من شك في الركوع وهو قائم انه يجب عليه الركوع كما دلت عليه الاخبار واتفقت عليه كلمة الأصحاب مع انه (عليهالسلام) أمره بالمضي وحكم بأنه ركع ونسب شكه الى مجرد الوسواس.
ومما يستأنس به لذلك ايضا قوله (عليهالسلام) في صحيحة الفضيل المذكورة «بلى قد ركعت» وفي صحيحة عبد الرحمن ايضا (٢) قال : «قد ركع» مع ان الأمر بالمضي بعد تجاوز الفعل المشكوك لا يستلزم التمام وانه انما أمر بالتجاوز لانه قد فعله بل وقع الأمر بذلك تسهيلا وتخفيفا في التكليف ودفعا لتسلط الشيطان ، وفي هاتين الروايتين قد حكم بأنه ركع وهو كناية عن عدم الالتفات الى الشك
__________________
(١) ص ١٦٩.
(٢) ص ١٧٦ و ١٧٧.