هؤلاء مع انه لا ريب عند كل ناظر وسامع ممن عرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال ان هؤلاء أدق فهما واذكى ذهنا وأشد تيقظا وأكثر تتبعا وأقرب الى الصواب (١) وابتداء الفحص والتحقيق وترك التقليد للسلف نشأ من زمن الشهيد الأول وان أحدث المحقق والعلامة شيئا من ذلك.
قال شيخنا الشهيد الثاني في الدراية : ان أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها شهرة بين العلماء وما دروا ان مرجعها الى الشيخ (قدسسره) وان الشهرة إنما حصلت بمتابعته. ثم قال : وممن اطلع على هذا الذي تبينته وتحققته من غير تقليد الشيخ الفاضل سديد الدين محمود الحمصي والسيد رضى الدين بن طاوس وجماعة ، قال السيد (قدسسره) في كتابه المسمى بالبهجة لثمرة المهجة : أخبرني جدي الصالح ورام بن أبي فراس (قدس الله تعالى روحه) ان الحمصي حدثه انه لم يبق للإمامية مفت على التحقيق بل كلهم حاك. وقال السيد عقيب ذلك : والآن قد ظهر ان الذي يفتي به ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدمين. انتهى.
أقول : ومن إبطال هذين الأصلين يظهر بطلان ما ابتنى عليهما من القول
__________________
(١) المعروف بين الفقهاء عدم جواز العمل بالخبر الذي يعرض عنه القدماء منهم وان كان واجدا لشروط الحجية ، والسر في ذلك ان إعراضهم عنه مع كونه بمرأى منهم يكشف عن اطلاعهم على خلل فيه يوجب سقوطه عن الحجية ، وبهذا يظهر وجه اعتبار عمل المتقدمين وان عمل المتأخرين دون المتقدمين لا اثر له لأن الأخبار انما وصلت الى المتأخرين من طريق المتقدمين وعصرهم قريب من عصر الأئمة «ع» فيمكن ان يطلعوا على ما لا يطلع عليه المتأخرون مما يكشف عن وجود خلل في الخبر ولهذا ينسب الى بعضهم ان الخبر المعرض عنه كلما ازداد صحة ازداد وهنا. واما كون المتأخرين أدق فهما فهذا شيء لا يرتبط بناحية سند الخبر والاطلاع على ان فيه خللا أو لا ولا دخل له فيه أصلا وهو واضح.