تضمنت الرد ب «سلام» والظاهر انه على تقدير الرواية بفتح السين من قبيل قوله عزوجل «سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» (١) وقوله سبحانه «وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» (٢) والوجه في جوازه انه لم يقصد به التحية وانما قصد به المباعدة والمتاركة قال أمين الإسلام الطبرسي (قدسسره) في تفسير الآية الأخيرة «وَقُلْ سَلامٌ» تقديره وقل أمرنا وأمركم سلام اى متاركة. ثم قال في بيان معنى الآية :
«وقل سلام» اى مداراة ومتاركة. وقيل هو سلام هجران ومجانبة لا سلام تحية وكرامة كقوله «سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» (٣) وقال في معنى الآية الاولى : وقال إبراهيم «سَلامٌ عَلَيْكَ» سلام توديع وهجر على الطف الوجوه وهو سلام متاركة ومباعدة عن الجبائي وابى مسلم. وقيل هذا سلام إكرام وبر فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة اى هجرتك على وجه جميل من غير عقوق. انتهى. ولم أقف لهذا المعنى في كتب اللغة على ذكر مع أن الآيات كما ترى ظاهرة فيه.
ثم ان أكثر هذه الروايات انما اشتملت على الرد ب «عليكم السلام» و «عليك» بدون الواو ورواية غياث اشتملت على ذكر الواو ، واخبار العامة أيضا مختلفة ففي بعضها بالواو وفي بعض آخر بدونها (٤) والمعنى بدون الواو ظاهر لان المقصود حينئذ ان الذي تقولون لنا مردود عليكم ، وهم غالبا ـ كما سمعت من صحيحة زرارة (٥) ـ إنما يسلمون بالسام الذي هو الموت ، واما مع الواو فيشكل لأن الواو تقتضي إثبات ما قالوه على نفسه وتقريره عليها حتى يصح العطف فيدخل معهم في ما دعوا به ، ولهذا قال ابن الأثير في النهاية : قال الخطابي عامة المحدثين يروون «وعليكم» بإثبات واو العطف وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وهو الصواب لأنه
__________________
(١) سورة مريم الآية ٤٨.
(٢) سورة الزخرف الآية ٨٩.
(٣) سورة القصص الآية ٥٥.
(٤) فتح الباري ج ١١ ص ٣٥ كتاب الاستئذان باب كيفية الرد على أهل الذمة.
(٥) ص ٨٠.