يحمارّ» ومقتضى هذا التشبيه : أن يكون وزنه «يفعالّ» ونقل أبو البقاء : أنه قرىء كذلك بتخفيف الضاد ، قال : «هو من قولك : انقاض البناء ، إذا تهدّم».
وقرأ عليّ أمير المؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ ، وعكرمة في آخرين «ينقاص» بالصاد مهملة ، وهو من قاصه يقيصه ، أي : كسره ، قال ابن خالويه : «وتقول العرب : انقاصت السّنّ : إذا انشقّت طولا» وأنشد لذي الرّمّة :
٣٥٥٤ ـ ........... |
|
... منقاص ومنكثب(١) |
وقيل : إذا تصدّعت ، كيف كان وأنشد لأبي ذؤيب : [الطويل]
٣٥٥٥ ـ فراق كقيص السنّ ، فالصّبر إنّه |
|
لكلّ أناس عثرة وجبور (٢) |
ونسبة الإرادة إلى الجدار مجاز ، وهو شائع جدّا.
وقد ورد في النّثر والنّظم ، قال الشاعر : [الوافر]
٣٥٥٦ ـ يريد الرّمح صدر أبي براء |
|
ويرغب عن دماء بني عقيل (٣) |
والآية من هذا القبيل.
وكذا قوله : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) [الأعراف : ١٥٤] وقوله : (أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ومن أنكر [المجاز](٤) مطلقا أو في القرآن خاصة ، تأوّل ذلك على أنه خلق للجدار حياة وإرادة ؛ كالحيوانات ، أو أنّ الإرادة صدرت من الخضر ؛ ليحصل له ، ولموسى ما ذكره من العجب.
وهو تعسف كبير ، وقد أنحى الزمخشري على هذا القائل إنحاء بليغا جدّا.
قوله : «فأقامه» قيل : [نقضه](٥) ، ثم بناه ، قاله ابن عبّاس (٦).
وقيل : مسحه بيده ، فقام ، واستوى ، وذلك من معجزاته ، هكذا ورد في الحديث. وهو قول سعيد بن جبير.
واعلم أن ذلك العالم ، لمّا فعل ذلك ، كانت الحالة حالة اضطرار إلى الطعام ، فلذلك نسي موسى قوله : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) فلا جرم قال : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) ، أي : طلبت على إصلاحك الجدار جعلا ، أي لصرفه في تحصيل المطعوم ؛ فإنّك قد علمت أنّا جياع ، وأنّ أهل القرية لم يطعمونا ، فعند ذلك قال الخضر : «هذا فراق بيني وبينك».
__________________
(١) جزء من عجز بيت وهو :
يغشى الكناس بروقيه ويهدمه |
|
من هائل الرمل .......... |
ينظر : ديوانه ٢٩ ، البحر المحيط ٦ / ١٤٣ ، الدر المصون ٤ / ٤٧٦.
(٢) ينظر : ديوانه ١ / ١٣٨ ، واللسان (قيص) ، والدر المصون ٤ / ٤٧٦.
(٣) ينظر : الرازي ٢١ / ١٣٤.
(٤) في ب : الجواز.
(٥) في أ: هدمه.
(٦) ينظر : معالم التنزيل ٣ / ١٧٥.