العصا ثعباناً» ، وقَلَبَها ، وشاهدت ذلك منه ، لم أشُك بسببه في معرفتي ، ولم يحصل لي منه إلّا التعجب من كيفية قدرته عليه ، فأمّا الشكّ فيما علمتُه ، فلا.
ثمّ علمت أنّ كل ما لا أعلمه على هذا الوجه ولا أتيقنه هذا النوع من اليقين ، فهو علم لا ثقة به ، ولا أمان معه. وكل علم لا أمان معه ، فليس بعلم يقيني.
ثمّ فتشت عن علومي ، فوجدت نفسي عاطلاً عن علم موصوف بهذه الصفة ، إلّا في الحسيات والضروريات ، فقلت : الآن بعد حصول اليأس ، لا مطمع في اقتباس المشكلات إلّا من الجليّات ، وهي الحسيّات والضروريات ، فلا بدّ من إحكامها أولاً لأَتيقن أن ثقتي بالمحسوسات ، وأماني من الغلط بالضروريات ، من جنس أماني الّذي كان من قبل في التقليديات ومن جنس أمان أكثر الخلق في النظريات ، أم هو أمانٌ محقَّق لا غدر فيه ، ولا غائلة له؟.
فأقبلت بجد بليغ أتأمل في المحسوسات والضروريات ، وأنظر هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها ، فانتهى طول التشكيك إلى أن لم تسمح لي نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضاً ، وأخذت تتسع للشك فيها ، وتقول : من أين الثقة بالمحسوسات ، وأقواها حاسة البصر ... تنظر إلى الكوكب فتراه صغيراً في مقدار دينار ، ثمّ الأدلة الهندسية تدلّ على أنّه أكبر من الأرض في المقدار. هذا وأمثاله من المحسوسات يحكم فيها حكم الحس بأحكامه ، ويكذبه حاكم العقل تكذيباً لا سبيل إلى مدافعته.
فقلت : قد بطلت الثقة بالمحسوسات ، فلعلّه لا ثقة إلّا بالعقليات الّتي هي من الأَوليات ، كقولنا العشرة أكثر من الثلاثة ، والنفي والإثبات لا يجتمعان في الشيء الواحد ، والشيء الواحد لا يكون حادثاً قديماً ، موجوداً معدوماً ، واجباً محالاً ... وقالت (النفس) : أما تراك تعتقد في النوم أُموراً ، وتتخيل أحوالاً ، وتعتقد لها ثباتاً واستقراراً ، ولا تشك في تلك الحالة فيها ، ثمّ تستيقظ ، فتعلم أنّه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك اصل ولا طائل؟. فبم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك بحسّ أو عقل هو حق؟ ...
فلما خطرت لي هذه الخواطر وانقدحت في النفس ، حاولت لذلك علاجاً ،