يفترض «لوك» أنّ أنفسنا في بدئها ، كلوحة بيضاء خالية من كل معنى ذهني ، وأمّا الصور التي ترتسم عليها فيما بعد ، فهي ثمرة التجربة. وممّا لا شك فيه أنّ تصوراتنا على نوعين : تصورات بسيطة ، وتصورات مركبة ، وتشتق التصورات البسيطة من مصدرين هما الإحساس (إذا كان موضوعها الصفات المحسَّة ، كالبصر والسمع وغيره) ، والتأمل (إذا كانت تتعلق بالنفس ، كالتفكير والإرادة).
أمّا التصورات المركبة ، فهي نتيجة مزج او تعميم التصورات البسيطة. فهي بهذا الاعتبار تصدر عن الاختبار والتجربة.
فهو بهذا البيان ، يريد أنّ للصور الذهنية مصدرين : الحسّ ، والفكر (١) ، وما لم تنته أيّة معرفة إليهما ، فلا وزن لها.
وبعبارة أُخرى : إنّ أفكارنا كلّها إمّا بسيطة أو مركبة ، والفكرة البسيطة هي غير المؤلفة من عدّة أفكار ، فإنّها لا تحتوي إلّا على مظهر واحد. مثال ذلك : رائحة وردة.
وأمّا الفكرة المركبة ، فهي المؤلفة من فكرتين بسيطتين أو أكثر ، مثل فكرة : أصفر زكي الرائحة.
والأفكار البسيطة لا يمكن أن يخلقها العقل ، ولا أن يدمّرها ، لكن العقل يقدر على تكرار الأَفكار البسيطة او مقارنتها بعضها ببعض ، أو تأليفها بعضها مع بعض ، ولا يستطيع العقل أن يخترع أفكاراً بسيطة لم يعرفها في التجربة. والأفكار البسيطة هي الأفكار الّتي بها تبنى كل أفكارنا المركبة وبها تُفسّر.
وكثير من الأفكار البسيطة يحملها حسّ واحد ، مثل أفكار : الألوان ، الأصوات ، الأذواق ، الروائح ، والملبوسات.
وبعض أفكارنا ينقلها حِسّان أو أكثر ، ويدخل في هذا النوع أفكار : المكان ، الامتداد ، الشكل ، السكون ، والحركة ، إذ نحن نتلقى هذه الأفكار بواسطة اللمس والحسّ.
__________________
(١) الّذي يؤلف ما أخذه بواسطة الحس.