أمّا العقل اللاشعوري ، فهو مجموعة الشهوات والغرائز المختزنة في أعماق الشخصية الإنسانية ، لا يمكن للإنسان السيطرة على نشاطها أو التحكم في تكوينها أو تطورها. ويمكن أن يسمّى هذا بالجانب الحيواني في الإنسان ، ويسمّيه فرويد بال «هو». وهذا الجانب يسعى دائماً ، بدوافعه الوحشية اللاشعورية ، للتعبير عن نفسه ، والظهور في العلن.
وأمّا العقل الشعوري ، فهو ذلك الجزء من شخصية الإنسان الّذي ينشد العثور على مخارج واقعية لدوافع الشهوة والغرائز والجانب الحيواني من الإنسان ، ويحاول ـ قدر المستطاع ـ أن يحفظ ماء وجه صاحبه ، وأن يؤمّنه من الوقوع في نزاع مع محيطه.
ثمّ يقول فرويد : ليست أعمال الإنسان الشعورية ، إلّا تعبيراً عن الدوافع الشهوية والغرائز الجنسية المختزنة في اللاشعور ، وانعكاساً لها على لسانه وجوارحه. ويرى أن شخصية الإنسان وعقليته ، تشبهان جبل جليد عائم في الماء ، لكن معظمه وأساسه مغمور ومختف تحت الماء ، فلا ترى العين منه سوى جزء صغير.
وقد أوضح فرويد وأتباعه تأثير اللاشعور في الشعور بأمثلة جزئية ، أسسوا منها قانوناً كليّاً ، ونكتفي هنا بالنموذجين التاليين :
١. افترض أنّ شاباً عشق فتاة جميلة فاتنة ، فحاول أن ينال منها ، ففشل ، فتصيبه خيبة شديدة في حبّه ، ويعاني من آلام تلك الخيبة ولا يجد وسيلة لإراحة نفسه من ذلك العذاب إلّا بمحاولة تناسي تلك الخيبة. فهنا يقوم الذهن بدفعه إلى منطقة اللاشعور ليكمن هناك. ولكن هذا الحب الجنسي المستعر لا يخبو بل يواصل نشاطه من منطقة اللاشعور مديراً دفّة تصرفات ذلك الشاب المسكين من دون أن يشعر. فلذا نراه يتحول إلى أعمال الخير الّتي لها نحو علاقة بذلك الحبّ الجنسي ، فينصرف إلى دُور الأيتام والعناية بالعجزة والمحتاجين ، وليس هذا التوجه العاطفي إلّا صورة محرّفة ، عن ذلك الحبّ الجنسي الّذي أصابته الخيبة فيه ، بلا شعور وإرادة منه.
٢. الأُمهات تدعين أنهن منابع الجود في معاملتهن لبناتهن ، وأن دافعهن