فالصورة الواردة من المُبْصَر إلى الذهن ، تسمّ صورة حسيّة ، من غير فرق بين البصر وغيره من الحواس. وهذه المرحلة هي مرحلة الإحساس.
ب ـ عند ما تتم عملية الإحساس وتتعطل القوى عن العمل يبقى هناك أثر في النفس ، وهو الصورة الخياليّة (١). وهو ما عبّر عنه قدماء الفلاسفة بالصورة الحادثة في الخيال بعد حدوث الصورة الحسيّة ، يستحضرها الإنسان بعد فناء الحسيّة متى شاء ، وفي أي وقت أراد ، وهو أمر واضح لكل من جرّب ودرب.
مثلاً : بعد أن يغادر الإنسان ضفاف البحيرة ويُقْفِل عائداً إلى منزله ، ربما يحاول أن يستحضر ما رأى من المناظر البديعة ، فتراه ينتقل إلى تلك الصور بلا تروٍ ، وهذا يكشف عن أنّ في النفس قوة خاصّة ليس لها شأن إلّا صيانة تلك الصور عن الزوال ، ليرجع إليها الإنسان عند ما تمس الحاجة ، وليس هذا شيئاً يحتاج إلى دليل.
وهكذا الأُستاذ عند ما يرد إلى قاعة من قاعات الكليّة ، المكتظة بالطلاب والباحثين ، فيلقي هناك دراسة في موضوع ، ويأخذون بالنقاش ، وبعد ساعة تنتهي المحاضرة ، فيغادرها ، ثمّ يغفل عن وقائعها مدّة لا يستهان بها. لكن ربما تمسّ الحاجة في وقت من الأوقات إلى سرد أو تسجيل ما شاهده من قبل وما ألقاه من نكات أو سمعه من نقاش ، فيرجع إلى خزانة الصور ، ويسترجع منها ما شاء.
فهذه الصور ، هي الصور الخيالية ، والتوجّه إليها في هذا الوقت هو التوجّه والإدراك الخيالي ، والمِحْفَطَة الّتي حفظت فيها تلك الصور هي خزانة الخيال.
والفرق بين الصورتين الحسيّة والخيالية من وجوه :
١. إنّ الحسيّة أوضح عند الإنسان من الخيالية.
__________________
(١) المراد من الخيال معناه الفلسفي ، وهو قوة في النفس شأنها صيانة الصور الواردة من الحواس ، لا المعنى العرفي.