فرض أنّه لم يرد نصٌّ في وجه حرمتها ، إلّا أن السبر والتقسيم قد يوقفان الفقيه على أنّ مدار الحرمة هو الإسكار وزوال العقل ، ولكن لا بحث مع اليقين.
إلّا أنّ تحصيل هذه المرتبة من اليقين في المسائل الشرعية مشكلٌ جداً ، إلّا ما شذّ وندر ، وقلّ مِنْ مورد يكون وضوح العلّة فيه مثل وضوحها في الخمر. بل الوقوف على مصالح الأحكام على نحو تكون علة تامة للحكم ، لا يعلم إلّا من طريق المشرِّع نفسه. ولأجل ذلك حذّر أئمة أهل البيت عليهمالسلام من الاعتماد على القياس في الشريعة وقالوا : «إنّ السُّنَّة إذا قيست ، مُحق الدين» (١). هذا كلّه حول مستنبَط العلّة.
وأمّا منصوصها ، فلا خلاف بين الفقهاء في العمل به. وفي الحقيقة إنّ التمثيل المعلوم فيه أنّ الجامع علّة تامة عند المقنِّن ، يكون من باب القياس البرهاني ، ويخرج من باب القياس الفقهي.
مثلاً : لو ورد : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء ... لأنّ له مادة» (٢) ، فإنّه يستنبط منه أنّ كل ما له مادّة فهو لا يفسده شيء. وفي الحقيقة يتشكل منه صورة البرهان ، ويكون الفرع أصغر ، والحكم أكبر ، والجامع حدّاً أوسط ، يقال :
الماء النابع ، له مادَّة.
وكلُّ ما له مادّة ، واسع لا يفسده شيء.
فينتج : الماء النابع ، واسع لا يفسده شيء.
* * *
وفي الختام ، ننبه إلى أنّ التمثيل ـ في الحقيقة ـ هو مزاج من عمل الحسّ والعقل ، فلا يصحّ بأن يوصف بأنّه أداة حسيّة بحتة ، ولا أنّه من فروع العقل ،
__________________
(١) الوسائل : ١٨ ، كتاب القضاء ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠. ولاحظ أحاديث الباب.
(٢) الوسائل : ١ ، أبواب الماء المطلق ، الباب ١٤ ، الحديث ٦ و ٧. صحيحة إسماعيل بن بزيع عن الإمام الرضا عليهالسلام.