العصور الإسلامية الأولى يركنون إليها في مواضع كثيرة ، تشهد بذلك كتبهم المدوَّنة في الطب والكيمياء ، وستوافيك قبسات من عبارات الشيخ الرئيس حول التجربة ، كما سيوافيك بعض ما روي عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام في هذا المجال.
قيمتها العلميّة
التجربة إحدى الأدوات الّتي تفيد اليقين بنتيجةٍ كليّة ، على خلاف التمثيل والاستقراء ، اللذين عرفت عدم إفادتهما إلّا الظن ، كما عرفت أنّ الاستقراء على فرض إفادته اليقين ، فإنّما يراد منه اليقين العرفي ، بتناسي الاحتمال المخالف الماثل في الذهن ، بينما التجربة تفيد القطع بحكم كلي شامل لجميع الأفراد الماضية والحاضرة والمستقبلة. وعندئذٍ ينطرح في المقام سؤال وهو أنّه لما ذا صارت التجربة مصدراً للعلم واليقين ، بخلاف التمثيل والاستقراء ، مع اشتراك الجميع في أنّ العملية تقع على أفراد محدودة لا على جميع الأفراد؟. هذه شبهة مستعصية على الأذهان وقف دونها الكثيرون ، فيجب علينا حلُّها في ضوء الضوابط العقلية فنقول :
الفرق بين التمثيل والاستقراء ، والتجربة ، أنّ مناط الحكم في الأوَّليْن هو تشابه الأفراد واشتراكها من جهات واختلافها من جهات أُخرى. فالفُقّاع والخمر ، وإن كانا متشابهين ومشتركين في الإسكار ، لكنهما من نوعين مختلفين ، وهذا هو الّذي دفعنا إلى تسمية أحدهما فقّاعاً والآخر خمراً ، فإنّ أحدهما متّخذ من الشعير والآخر من العنب. وهكذا في الاستقراء ، فإنّ ما نشاهده من الحيوانات البرية والبحرية ، أنواع مختلفة ، واقعة تحت جنس واحد هو الحيوان ، لكنها تتميّز بفصول وأشكال مختلفة. فلو رأينا هذا الحيوان البري ، وذلك الحيوان البحري ، كلُّ يحرك فكَّه الأسفل عند المضغ ، نحكم بذلك على سائر الحيوانات ، من دون أن تكون بينها وحدة نوعية ، أو تماثل في الحقيقة ، والدافع إلى ذلك التعدّي في الحكم هو التشابه والاشتراك الموجود بين أنواع الجنس الواحد ، رغم الاقرار باختلافها في الفصول والأشكال. ومن هنا ، لا يمكن الجزم بالحكم والنتيجة على وجهها الكلّي ، لإمكان اختلاف أفراد نوعين مختلفين ، في الحكم. هذا كلُّه في التمثيل والاستقراء.