التجربة ، اليقين بأنّ النتيجة الّتي أفادتها راجعة إلى نفس طبيعة الشيء بما هي هي ، من دون أيّة دخالة لغيرها من الظروف الزمانية والمكانية وآلة التجربة والمجرِّب الخ.
غير أنّ بعض الغربيين ، أعني الفيلسوف جان استوارت ميل (١) ، ذهب إلى أنّ تعميم نتيجة التجربة إنّما هو في ظل قاعدة مسلّمة هي : إنّ الطبيعة ـ في جميع الأمكنة والأزمنة ـ متحدة الحقيقة والاقتضاء ، فهي تعمل في جميع الظروف على نسق واحد. فلو كان لفلزّ معينٍ ، ذوبان عند حرارة معينة ، فهو (أي الفلزّ) يقتضي ذلك الأثر في جميع المواطن ، سواء أكانت ممّا أُجريت فيها التجربة أو لا.
ولكن أشكل عليه بالدور ، وهو أنّ تعميم نتيجة التجربة إلى جميع الأفراد ، يتوقف على ثبوت هذا الأصل (٢) (الطبيعة متحدة الحقيقة والاقتضاء) ، مع أنّه ليس أصلاً عقلياً حتّى يعتمد في ثبوته على العقل ، وإنّما هو أصل تجريبي ، يحصل بالتجربة. ومن المعلوم أنّ عملية التجربة لكشف وحدة الطبيعة حقيقةً واقتضاءً ، لا يمكن أن تتحقق في جميع أفراد الطبيعة ، وإنّما تتحقق في الموارد الّتي تجري فيها التجربة. فتعميم نتيجة هذه العمليات المحدودة، يتوقف على ثبوت هذا الأصل ، وهو بعدُ غير ثابت. فيُنتج أنّ إثبات كون الطبيعة متّحدة الحقيقة والاقتضاء ، يتوقف على ثبوت كون الطبيعة متحدة الحقيقة والاقتضاء ، وهذا دور واضح.
لكن «ميل» تخلّص من هذا الدور بما هذا حاصله :
إنّ وقوف الإنسان على هذا الأصل (الطبيعة متحدة الحقيقة والاقتضاء) ، لا يتوقف على استقراء تام وتجارب متعددة ، بل يكفي في ثبوته تجربة ناقصة تحصل للإنسان البسيط قبل خوضه في المباحث العقلية ، وهو ما أسماه ب «الاستقراء السطحي». وذلك بحجة أنّ الطفل إذا أدنى يده من النار وآذته بلهيبها ، فإنّه لن يمدّ يده بعد ذلك إلى أيّة نار يصادفها ، لأنّ تلك التجربة تفيده علماً بأنّه سوف
__________________
(١) (١٨٠٦ ـ ١٨٧٣ م).lliM trautS nhoJ.
(٢)erutan la ed etimrofinu\'I ed epicnirP.