الفرد الشخصي بصورة الفرد المبهم ، ويطلق عليه الإنسان الكلي. فليس الإنسان الكلي إلّا الفرد المبهم الّذي حذفت أو نسيت مشخصاته ومميّزاته. فما أشبه هذا الفرد بالعملة المعدنية الرائجة إذا طُمست نقوشها من كثرة التداول ، فلم يبق منها إلّا جسم العملة دون مشخصاتها.
وأنت ترى كيف يتحمل هذا القائل بوحدة الأداة ، المشاقّ في تحليل المفاهيم العقلية. وما هذا إلّا لأنّه لم يعتقد إلّا بأداة واحدة ، ولو كان مؤمناً بأداتين لصدّق بالمفاهيم الكلية العقلية الّتي هي بمنأى عن الفرد الّذي نسيت مشخِّصاته.
وهكذا القائل بانحصار الأداة بالعقل ك «ديكارت» ، فإنّه لا يقيم للحسّ وزناً. فهذا إذا واجه المحسوسات ـ الّتي يدركها الإنسان بحواسه ـ يضيق عليه الخناق ، ويقول إنّ الحسّ لا يوصلنا إلى حقيقة الأشياء وإنّما هو لينتفع به الإنسان في حياته لا أكثر ، كما تقدم.
ونظير ذينك المنهجين ، منهج القائلين بانحصار معرفة الحقائق بالإلهام والإشراق ، المنقول عن الفيلسوف الغربي «بِرْگُسن» (١).
وعلى ذلك ، فنحن نضرب الصفح دون البحث حول هذه المناهج النابعة عن القول بوحدة الأداة ، لأنّ إنكار تعددها وكثرتها ، أشبه بإنكار الضروريات كما عرفت. ونعطف عنان البحث إلى المراحل المتعددة للمعرفة ، فنقول :
إنّ القائلين بتعدد المراحل هم أيضاً على طوائف نعبر عنهم بالعناوين التالية :
أ ـ أصحاب الفلسفة العلمية.
ب ـ أصحاب الفلسفة الماديّة الديالكتيكيّة.
ج ـ الفلاسفة الإسلاميّون.
* * *
__________________
(١)nosgreB irneH) ٩٥٨١ ـ ١٤٩١ م).